سمعة الأردن الطبية - ممتازة أم معتازة؟

د بهاء الدين التميمي

في لقاءات إذاعية يتصدى للمنابر الخطابية البعض ليهاجم مشروع قانون المجلس الطبي الأردني المقدم، والذي ينادي بتفعيل إجراء تقييم للأطباء العاملين في المملكة كل خمس سنوات كتعليم طبي مستمر حيث أن هناك أطباء يمارسون الطب منذ سنوات طويلة بدون أي مراقبة تعليم طبي مستمر، وذلك لمجاراة الدول المختلفة. مثلاً في الولايات المتحدة يتم طلب عشرات ساعات التعليم الطبي المستمر كل سنتين عند تجديد الرخصة، حسب قانون الولاية، وقد يكون هذا السبب الحقيقي لاعتراض بعض أعضاء نقابة الأطباء على مشروع القانون.
كما يسمح مشروع القانون المقدم برجوع الكفاءات ضمن شروط قاسية لمزاولة المهنة، وذلك لمجاراة القوانين الدولية والإقليمية، حيث إن البورد هو امتحان للتخصص وليس له علاقة بالسماح لمزاولة المهنة أم لا، حيث إن المزاولة لها علاقة بنوعية التخصص وجودته وبلد المنشأ، تماماً كما يتم التعامل مع حاملي شهادات الدكتوراة في الصيدلة والهندسة في الأردن، بحيث لا يتم فرض امتحان محلي لشهاداتهم.
وللأسف يعتقد البعض خاطئاً أن سمعة الأردن الطبية لها علاقة بامتحان البورد الأردني وهذا ليس اعتقاداً خاطئاً فحسب بل هو تضليل، ويعبر عن عدم معرفة بأساسيات المنظومات الطبية وعملها، فالبورد هو امتحان للتخصص لمن أكمل تخصصه داخل البلد، وهو درجة أخرى للتأكد من جاهزية هذا الطبيب للعمل وكثير من الدول لا تشترط البورد المحلي أصلاً للمزاولة وإن أكمل تخصصه داخل البلد.
إن سمعة الطب في الأردن الطبية جاءت في السبعينيات والثمانينيات وبداية التسعينيات من كليات الطب الأولى في المملكة، وكذلك الخدمات الطبية الملكية في القطاع العسكري، حيث جاء أطباء بنوعيات عالية جداً أكملوا تخصصهم أو تم ابتعاثهم بصورة أساسية إلى بريطانيا، وجاءوا بنظام طبي صارم منضبط ومبني على أفضل الأسس الطبية في ذلك الوقت، ويرجع ذلك إلى رؤية جلالة المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال رحمه الله حيث تم ضخ موارد كبيرة في القطاع الطبي، جعلت مستشفيات الخدمات الطبية أفضل مستشفيات الشرق الأوسط في عدة تخصصات في ذلك الوقت.
وجاءت موجة كبيرة أيضاً من خريجي الولايات المتحدة ومن ثم ألمانيا كان لها دور كبير في السياحة العلاجية في المملكة، وجلبت مرضى كثيرين من دول محيطة خاصة في تخصصات معينة مثل القلب مثلاً.
إن أول عملية قلب مفتوح تغيير صمام عام 1970 م قام بها الباشا الدكتور داوود حنانيا، والذي قام بأول عملية زراعة كلى عام 1972 م، وأول عملية قلب مفتوح تغيير شرايين 1973 م. وأول عملية زراعة قلب في الأردن والعالم العربي 1985. إن الدكتور حنانيا أكمل دراسته في بريطانيا والولايات المتحدة وتعلم على أيادي جراحي القلب، الدكتور مايكل دبغي ودنتون كوولي عمالقة جراحة القلب في العالم، وذلك في هيوستن تكساس في الولايات المتحدة.
للأسف يعيش البعض في أوهام أن البورد الأردني له علاقة بمستوى الأردن الطبي وسمعة الأردن، وله علاقة بالسيادة وكثير من الشعارات العاطفية الخاطئة، والبورد الاردني ما هو إلا مجرد امتحان للأطباء من خريجي التخصص (برامج الاقامة) المحلية، وسمعة الأردن الطبية في السابق لها علاقة كبيرة في الأطباء المذكورين من خريجي الدول الغربية، الذين بنوا نظاما صارما، بدأ يعاني للأسف من مشاكل ضخمة بسبب الزيادة السكانية الكبيرة، والعيش في إرث الماضي دون تجديد.
والانحدارات المتتالية أيضا في التعليم الطبي الأردني والذي بحاجة ماسة إلى مراجعة كبيرة واعتمادية.
سأتوقف عن ذكر الواقع الأليم للمنظومة الطبية في الأردن حفاظاً على سمعة الأردن الحبيب، ولكن هذا الخطاب للعقلاء من الأطباء في البلد الذين لا يملكون أي تضارب مصالح في رجوع الأطباء الأكفاء الجدد، اذا اعتقدوا أنهم قد ينافسونهم في القطاع التعليمي أو الخاص، أو أنهم يحملون علماً جديداً يزعزع مواقعهم أم أنهم صنعوا بيئة تثبط الأجيال الجديدة من الشباب في أعمار الثلاثينيات والأربعينيات، وتخلق جوا من الشحناء والتوتر في المنظومة الطبية، أقول لهم أن الباشا الدكتور حنانيا عندما عمل أول عملية قلب مفتوح في الأردن والمنطقة، كان عمره 36 عاماً وجاء من بريطانيا وأميركا.
وما تزال المنظومة الطبية في الأردن بحاجة لهذه الكفاءات الضخمة ، فقد تراجع الأردن في ماراثون سباق الطب في المنطقة فمثلاً زراعة الاعضاء متأخرة جداً مقارنة بالدول المحيطة، ومريض يريد زراعة رئة قد يذهب للسعودية أو للإمارات ، ومدير خدمات مهم جداً بحاجة لـ ECMO وهو قسطرة وريدية مستمرة لمساعدة الرئتين يذهب لهداسا والكثيرون الذين هم بحاجة لزراعة أطراف صناعية قد يذهبون هناك أيضا.
يعيداً عن شعارات بعض الأطباء حول البورد الأردني وأهميته في الإقليم، عملتُ شخصياً في السعودية لفترة وجيزة عام 2011 م وكنت برتبة استشاري في أمراض القلب والشرايين بسبب حملي للبورد الأميركي، وكان يعمل في قسم القلب أطباء عرب ومنهم طبيب أردني بتدريب أردني، ويحمل البورد الأردني في القلب يحمل لقب اخصائي وليس استشاريا، وكان ممنوع عليه وغيره من الأخصائيين حملة البوردات العربية لمس القسطرة ووضع دعامات، وكان عملهم هو في إدخال المرضى وإخراجهم تحت إشراف الاستشاري، والسبب هو عدم وجود تدريب فرعي منفصل وبورد أردني منفصل في القسطرة العلاجية للقلب، والهدف من هذه القصة هو فقط التحدث عن كيفية تعامل المنظومة الطبية في السعودية مع البورد الأردني، ليس انتقاصاً ولكن منهجية متبعة هناك تختلف عما يتغنى به البعض هنا.
ما أحوجنا كمجتمع طبي أردني أن نقف لحظات حقيقة مع أنفسنا، ونبعد كل الأوهام التي جاءت من كل مكان، ونشخص الواقع ونحاول جذب الكفاءات الأردنية من كل مكان، فهناك مئات من الأطباء الأردنيين مثل الدكتور حنانيا ودوره ومقامه لا يعلى عليه، قد يرجعون إذا تم استقطابهم والاستفادة من خبراتهم ليس فقط في علاج المرضى فقط ولكن لبناء منظومة طبية تضاهي المنظومات الاقليمية والعالمية.
وعلينا أن نعترف بوجود خبرات ممتازة درسوا في الأردن وتخرجوا في الأردن وبقوا وخدموا الشعب الأردني وهم على مستوى عال من الكفاءة ولكن هناك تخصصات فرعية كثيرة غير متوفرة وهناك قضايا في المنظومة الطبية وتوزيع الخدمات الطبية المتكدسة في غرب عمان، سيسعى المخلصون لأبناء الوطن حلها معا - حمى الله الوطن والشعب والمليك المفدى.

اضافة اعلان

استشاري أمراض القلب والشرايين
هيوستن - تكساس