سنة مرت على حملة "حارس الأسوار"

دخان ونيران تتصاعد من مبان مدنية في غزة عقب احدى جولات الاعتداء عليها خلال "حملة حارس الاسوار" للاحتلال.-(أرشيفية)
دخان ونيران تتصاعد من مبان مدنية في غزة عقب احدى جولات الاعتداء عليها خلال "حملة حارس الاسوار" للاحتلال.-(أرشيفية)

هآرتس

ضياء حاج يحيى

عشية عيد الفطر في السنة الماضية في 12 أيار (مايو) وعلى خلفية نداءات المؤذن بدأ الشباب بالتجمع تحت مفترق الجسر في مدينة الطيبة. هذا كان بعد بضع ساعات على إصابة سكان من اللد بنار مستوطن وفي الوقت الذي كانت فيه الصواريخ من قطاع غزة تسقط على المدن الإسرائيلية. الأجواء كانت متوترة وعلى شفا الانفجار. وسرعان ما تصاعد الوضع. الشارع الرئيسي في الطيبة أغلق وتم إشعال الإطارات وأي سيارة للشرطة مرت في المكان رشقت بالحجارة.اضافة اعلان
مواجهات وإغلاق للشوارع في المظاهرات ليست أمرا نادرا في المجتمع العربي، لكن في هذه الحالة تطورت إلى وضع غير عادي، مواجهة تصاعدت طوال شهر دون توقف. والشوارع الرئيسية في المدن العربية تحولت إلى ساحة حرب، إشعال الإطارات والسيارات، والحجارة ملأت أرصفة الشوارع وإشارات ضوئية تم تدميرها. الشوارع بقيت تقريبا فارغة من المارة والزبائن لم يدخلوا إلى المحلات والاقتصاد الذي حاول النهوض بعد الإصابة الشديدة التي مر بها في فترة "كورونا" كان على شفا الانهيار.
"إذا قمنا بالمس بممتلكات هذه المدينة هذا بدافع الغضب ورسالة للمؤسسة. هناك أشخاص قتلوا في القدس وفي اللد وفي غزة. ما الذي يساويه ذلك مقابل إشارة ضوئية تم تخريبها"، قال عمر (اسم مستعار)، وهو شاب شارك في المظاهرات العنيفة في الطيبة. "شاهدت أنه واجب علي الخروج من أجل التعبير عن غضبي. عندما قاموا بالمس بالشيخ جراح والحرم لم أفكر بالنتيجة. هذه كانت عاصفة أحاسيس".
تحقيقات أمنية كثيرة تناولت أحداث عملية حارس الأسوار في العام 2021، ومعظمها توقعت جولة أخرى في هذه السنة. ولكن أعمال شغب مشابهة لم تحدث. ورغم ذلك، الوضع في المجتمع العربي يمكن أن يشتعل. عمر يعتقد أن جولة أخرى هي فقط مسألة وقت. "نحن سنواصل التظاهر وإغلاق الشوارع طالما أن الدولة تمس بالحرم. الحرم هو خط أحمر. هذا رد عاطفي وليس عقلاني".
سياسيون ومحللون يقولون: "إن أحداث حارس الأسوار كانت نتيجة الإهمال الطويل للمجتمع العربي، الجريمة تتفشى ونسبة البطالة مرتفعة ومعظم العائلات توجد تحت خط الفقر. "الدولة لم تعالج العوامل التي أدت إلى المواجهة في أيار (مايو) العام 2021، بل عالجت بشكل محدد المشاركين في أعمال الشغب"، قال في محادثة مع "هآرتس" محمود فريج، وهو ناشط اجتماعي من كفر قاسم. "لم يتغير أي شيء منذ شهر أيار (مايو) الماضي. الجريمة تستمر والبطالة أيضا، والبنى التحتية في المدن العربية ما تزال مدمرة".
حسب أقوال فريج فإن الإهمال المتواصل خلف الكثير من الشباب مع الشعور بأنهم ليسوا مواطنين متساوين في الحقوق وأن الدولة لا تدعمهم. "لقد شعروا أن الدولة تدفعهم نحو الزاوية وأنهم ملاحقون في كل مكان دون أي أمل. ما حدث هو من مسؤولية المؤسسة. هل ينتظرون مني أن أحارب هؤلاء الشباب مع كل ما يشعرون به في أعماقهم؟"، قال فريج.
أدهم مصري، من سكان الطيبة، هو أيضا يعتقد أن الإهمال هو الذي أدى إلى وقوع الأحداث. "نحن نسمع عن برامج تأهيل، لكن على الأرض ما نزال لا نشعر بأي شيء"، قال المصري. وحسب قوله، الأغلبية الصامتة ضعيفة وهي تركز على الصعوبات اليومية. "معظم الناس يذهبون لكسب الرزق وهم يريدون العودة إلى البيت بكرامة، ولا يهمهم حقا ما يحدث خارج جدران البيت"، قال. وقد تذكر الشعور بالعجز الذي عانى منه أثناء الأحداث. "لم يكن هناك ما يمكن فعله. لمن نتوجه ومع من نتحدث. الأحداث خرجت عن السيطرة والمستقبل كان ضبابيا. كان هناك من شعروا أن الشباب الذين قاموا برشق الحجارة على قوات الشرطة وأشعلوا الإطارات هم الذين يدافعون عن المدينة. ولكن كانت هناك خلافات في الرأي حول هذا السلوك".
سامي طوالبة، وهو من سكان حيفا، قال: "إن المجتمع العربي المعياري صمت في معظمه إزاء أعمال الشغب بسبب الخوف المزدوج، من اليهود الذين جاءوا إلى المدن المختلطة من أجل مهاجمة العرب في بيوتهم، ومن الشباب العرب الذين قاموا بأعمال الفوضى. "أنت لا يمكنك التحدث مع أشخاص ملثمين، بعضهم كانوا عنيفين حقا"، قال: "بعض الأشخاص تظاهروا بصورة مناسبة، حتى الذين يتبنون مواقف قومية متطرفة عبروا عن مواقفهم بشكل عنيف. ولكن كانت هناك حالات اعتداء شديدة على المدنيين وكان من المستحيل منعهم كأشخاص عاديين".
الصدمة لا تتركنا
عمر قال: "إنه هو وأصدقاؤه لم يشعروا بالخوف في الوقت الذي رشقوا فيه الحجارة على قوات الشرطة وأشعلوا الإطارات وأغلقوا الشوارع. "لقد حدثت قربنا اعتقالات وأطلقوا علينا الرصاص المطاطي وقنابل الصوت وقنابل الدخان، لكننا شاهدنا أن هناك شيء أكبر يحدث، عندها الخوف تلاشى. عندما تكون مع مجموعة من الأصدقاء أنت لا تخاف". أثناء أعمال الفوضى لم يتردد الشباب في إطلاق صليات قرب قوات الشرطة وإطلاق المفرقعات عليهم. "شاهدنا ما يحدث في القدس وأم الفحم واللد ويافا وقررنا التظاهر على طريقتنا. نحن نعتقد أن رفع اللافتات وإطلاق الشعارات لا يؤدي إلى نتائج"، قال عمر. وحسب قوله هو سيكون مستعدا لمواصلة التظاهر طالما أن هناك حاجة لذلك.
في المقابل، غازي السوقي وهو من قرية جلجولية قال: "إنه لن يشارك مرة أخرى في مظاهرات عنيفة. وقد تم اعتقاله على يد قوات المستعربين في القرية وحسب قوله تم ضربه بشدة. "ما مررت به لم يكن أمرا سهلا، رغم أنني لم أشارك في إغلاق الشارع بل كنت فقط أقف جانبا. أنا ما أزال مصدوما"، قال.
المراسل محمد الخطيب أصيب بصدمة أثناء أعمال الشغب ويصعب عليه التعافي منها. الخطيب تم التنكيل به من قبل عدد من الشباب. الحادثة كانت عشية عيد الفطر بعد تناول الإفطار مع العائلة والخروج إلى العمل. في طريق هكريوت لاحظ اختناق ولم يعرف ما الذي يحدث. "لم أتمكن من العودة. رأيت مجموعتين من الشباب وهم يبحثون عن عرب لمهاجمتهم"، قال للصحيفة. "المجموعة الأولى لم تلاحظني ولكن المجموعة الثانية لاحظتني".
في هذه المرحلة الشباب اليهود رشقوا سيارته بالحجارة. "قمت بالالتفاف في الوقت الذي استمر فيه سقوط الحجارة علي. أنا حقا لا أعرف كيف نجحت في الهرب"، قال الخطيب. "هذا كان فظيعا جدا. كل شيء يحدث في ثانية. ولكن الشعور هو أن هذا استمر لساعات. أنت لا تعرف كيفية انتهاء ذلك. الصدمة ترافقني حتى الآن. صوت تحطم النوافذ ما يزال في أذني". وأضاف الخطيب أن الشرطة أهملت التحقيق في ملفه. "تم إغلاق الملف بعد شهر على الحادثة دون أخذ إفادتي حتى. وهذا الأمر تسبب بشعوري باليأس من الشرطة"، قال.
اقتصاد منهار
تقريبا سنة ونصف من وباء "كورونا" أدت إلى كارثة اقتصادية للمجتمع العربي. مئات المصالح التجارية انهارت وكثير من رجال الأعمال أصبحوا مديونين. أحداث عملية حارس الأسوار كانت ضربة أخرى قاتلة لهذه المشاريع. "نحن الآن بعد سنة من الأحداث وحتى الآن يمكن الشعور بها في الأجواء. هناك زبائن حتى الآن يسألون عن الوضع قبل القدوم إلى المحل"، قال للصحيفة عبد أبو حيط، وهو صاحب محل لبيع الحواسيب والبرامج في الطيبة.
أمير مصاروة، وهو صاحب منتجات غذائية في كفر قرع، يتفق في الشعور بأن نسيج العلاقات الذي تضرر لم يرمم حتى الآن. "أعتقد أنه بسبب العمليات والهجمات في الحرم، التي حدثت منذ عملية حارس الأسوار، لم نعد إلى الوقع الطبيعي بالكامل"، قال. "لقد استغرق ترميم العلاقات التي تضررت وقتا، وفي غالبية الأماكن العداء والتشكك تقلص مع مرور الوقت ولكن يمكن الشعور به.
"هذا يجب أن ينتهي. كل شيء في أيدينا". قال. "هناك سياسيون في الطرفين لا يريدون الهدوء بسبب مصالحهم السياسية. نحن نعيش هنا وسنستمر في العيش هنا معا".
المصري يعتقد أنه إذا لم يكن هناك تحسن في الوضع الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي في المجتمع العربي فإن أحداث عملية حارس الأسوار يمكن أن تتكرر. "الاحتكاك في المرة المقبلة سيكون أكثر شدة"، قال. أيضا فريج يتوقع زيادة شدة الأحداث في الجولة المقبلة إذا حدثت. "اليمين يصعد في الخريطة السياسية والمواقف المتطرفة ضد المجتمع العربي تزداد فقط"، أوضح.