سورية.. الاقتراب من شاطئ النجاة

برامج مكافحة السرطان تشتمل على جراحة لاستئصال الاورام ويحتاج    المريض الى الكثير من الصبر والعزيمة ومساندة العائلة والاصدقاء، وربما الجيران وسكان الحي وتطمين ورعاية الاطباء والى برنامج معالجة كيميائية قد تترك اثارها على كامل جسم المريض ومظهره وحيويته.اضافة اعلان
من بين البلدان العربية التي جرى استباحة ارضها وشعبها ومؤسساتها ومقدراتها باسم الحرية والدمقرطة والتغيير كانت سورية، وكانت الاكثر دمارا وتخريبا وخسر شعبها وحدته وأمنه واستقراره، فقتل مئات الآلاف من ابنائه وجرح اضعافهم وجرى تهجير الملايين في مختلف بقاع الارض في واحدة من اسوأ الكوارث التي ألمت بشعوب وامم العالم عبر التاريخ.
  سورية التي عاشت اكثر من ستة اعوام في دوامة العنف، تحولت فيها البلاد الى ميدان للصراع العالمي والاقليمي، ومركز جذب لقوى القتل والدمار، وحقل تجارب سعى من خلاله الاغنياء والساسة والمغامرون الجدد الى استكشاف قدرتهم على التخطيط والتآمر والتأثير تارة باسم الديمقراطية واخرى دفاعا عن الطوائف وغالبا ما كانت بدوافع الثأر والغيرة والانتقام.
اليوم وبعد أن رفعت الكثير من الانظمة الداعمة للفصائل المقاتلة ايديها عن القتال  وتوقفت القوى الاقليمية والعالمية عن التحريض، ووصلت القوى المتصارعة الى درجة من الإعياء تحول دون امكانية الاستمرار في رحلة التدمير التي أتت على منجزات البلاد وتاريخها وروحها وانسانيتها، اخذت البلاد تلتقط انفاسها وتسترد شيئا من عافيتها في حالة تبعث على الامل في الشفاء مما ألم بها خلال الاعوام الستة الماضية.
نجاة سورية من الاخطار التي كادت ان تنهي وجودها وتفتت اراضيها وتدخلها في رحلة ازلية للبحث عن هوية وربما هويات جديدة إنجاز يبعث على الامل لكل الذين أحبوا سورية وتعلقوا بآمال العروبة والوحدة والمقاومة.  وبصرف النظر عن مواقفنا من النظام السياسي والحزب كانت سورية وما تزال عمقنا الاستراتيجي وحارسا من أهم حراس الهوية العربية، وقد حملت مشروعا ثقافيا وحافظت على إرث تاريخي أفقدتنا الفصائل التي تمت صناعتها وتمويلها الكثير منه.
لقد دمر متعهدو الحروب وفصائل الظلام الذين جاءوا باسم التغيير الكثير من ملامح الحضارة الرومانية وإرث الدولة الأموية التي جعلت من بستان هشام بن عبدالملك مركزا للعالم يوم كانت دمشق عاصمة كونية، فجاءوا إلى تدمر، ونسفوا قلاعا ومساجد، ومتاحف حلب ودمشق وحمص، وأجهزوا على وجه المكان الذي ظل إيقونة الفخر والعز والعنفوان العربي.
خلال سنوات المحنة السورية كان الأردن شريكا أساسيا للأخوة السوريين في محنتهم، فقد استقبل مئات آلاف اللاجئين، وسعى بكل ما لديه من امكانات لاستيعابهم ودمجهم، وحافظ على التمثيل الدبلوماسي للنظام السوري في الوقت الذي عملت العديد من البلدان العربية على وقفه او تجميده او استبداله.
في هذه الايام التي يعود فيها النبض والحياة لسورية تتبدى لنا وللأخوة السوريين  عشرات القضايا والملفات والأولويات التي تشكل جزءا من برنامج الإصلاح والنهوض والتكيف. فسورية اليوم تحتاج إلى الافادة من تجارب دول العالم التي عاشت الصراعات والحروب الأهلية، وهي أحوج ما تكون للقيام بما قامت به جنوب أفريقيا بعد انهيار نظام الفصل العنصري: "الحقيقة والمصالحة".