سورية: انسداد تام في الآفاق بعد جنيف

افتتاحية (لوموند) 

ترجمة: مدني قصري
في خطاب مكرس لبحث عنوان: "العالم العربي في عصر الثورات"، قدّم السيد لوران فابيوس؛ وزير خارجية فرنسا، في يوم 27 حزيران (يونيو) الماضي، الوصف الآتي عن المأساة السورية: "إن عمليات القتل اليومي متواصلة بأوامر صادرة عن زعيم القتلة؛ بشار الأسد. ويقدر عدد الذين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية بحوالي 1.5 مليون شخص. ناهيك عن أن 100.000 مواطن سوري قد فروا من البلاد (...) وهو ما يؤثر إلى حد كبير على توازنات الدول المجاورة".اضافة اعلان
وفي يوم السبت 30 حزيران (يونيو) في جنيف، صادق السيد فابيوس، إلى جانب نظرائه في الدول العظمى، على مشروع قيام "كيان وطني مؤقت" في سورية، لكن اللافت أن هذا المشروع لا يتضمن في حيثياته أي إقصاء حقيقي للدكتاتور السوري، ولا لحاشيته والمحيطين به. وعلى هذا النحو، تم التغاضي عن مصير "زعيم القتلة"، في نصّ يجعل النظام ومن يحتجون ضده -معرّضين بذلك حياتهم للخطر- متساوين في الخطأ ومشتركين فيه سواء بسواء.
كان ينبغي على القوى المجتمعة في جنيف -الولايات المتحدة، وروسيا، وأوروبا خاصة- أن تسعى لتسهيل عملية الانتقال السياسي في سورية. وفي جوهره، أسفر اجتماع جنيف عن صيغة غريبة للغاية تقول: يتعين على كلا الجانبين في الحرب الأهلية الجارية أن يتوصلا إلى اتفاق فيما بينهما -عن طريق "التراضي المتبادل"! يا للعجب، نخال وكأننا في حلم! إن مناشدة الجلاد وضحاياه الاتفاق على سيناريو تسوية، عن طريق التفاوض، بعد مرور ستة عشر شهرا من المجازر التي أسفرت عن أكثر من 15000 ضحية، هو أمرٌ قد يبدو حتى عند العقول الأكثر تفاؤلا، شططا وطُموحا مُفرطا.
وفيما وراء التفسيرات الرسمية التي تسعى إلى تقديم الدبلوماسية في أفضل حالاتها، نكتشف أن ذلك بالضبط هو ما أفضى إليه اجتماع "مجموعة العمل" في جنيف.
على أي حال، نحن لن نتهم كوفي عنان؛ مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، الذي دعا إلى هذا الاجتماع، بأنه قد قصّر أو قلل من جهود الوساطة التي يضطلع بها. ولكن، هل وُضعت الخطة بشكلها الصحيح؟ على ضوء محاولات تحقيق التقارب بين القوى العظمى الممزقة اليوم حول الأزمة السورية (روسيا والصين على جانب، والغربيون على الجانب الآخر)، يمكن قراءة الحل الوسط الذي طُرح في جنيف بالقول إنه تخلٍّ سافر عن أبسط المطالب الأساسية التي يقدمها أولئك الذين يريدون التخلص من طاغية في سورية، ويرغبون في مكافحة إفلات مرتكبي أبشع الجرائم من العقاب.
إن روسيا التي أثبتت ببراعة كبيرة أنها قادرة على أن تستخلص من أزمة سورية المأساوية وسيلةً تُذكر بها الغربيين بقوتها وقُدرتها على فرض قراراتها، هي التي نجحت اليوم في مراوغتها الماهرة، وهي جعل الغربيين يتراجعون عن مواقفهم أمام شروطها التي تتمثل في بناء حصن منيع أمام أي عملية انتقال سياسي في دمشق قد تنجم عن ضغوط خارجية.
تُرى، مَن هو الذي يعتقدون بأنهم يضحكون عليه، ومَن يعتقدون أنهم يُخادعون؟ ومقابل أي تنازلات؟ من خلال تقديم تنازلات في لقاء جنيف، تعتقد إدارة أوباما أنها قد حافظت على ديمومة عملية دبلوماسية حول سورية، وخصوصا على علاقاتها مع موسكو، والتي تعدها علاقات أساسية في سياق أزمات أخرى قد تطفو من جديد حول انتخاب الرئيس الأميركي؛ ومنها برنامج إيران النووي، وطرق إخلاء جيوشها من أفغانستان، على وجه الخصوص. أما السوريون، فليس أمامهم سوى الصبر والانتظار!

*نشر هذا المقال تحت عنوان:
 Syrie: blocage total au sommet de Genève