سورية والعراق ولبنان.. فضاء واحد لمأزق مشترك

آنو بونِك* - (ذا ناشيونال إنترست) 19/2/2014
ترجمة: عبد الرحمن الحسينياضافة اعلان



أصبحت التطورات الجارية في سورية والعراق ولبنان متداخلة على نحو معمق، بحيث أننا ربما نبدأ بالحديث عن هذه البلدان كفضاء مشترك، كما نفعل الآن مع أفغانستان وباكستان (أفباك).
في أقل من عقد، خندقت قوى مؤيدة لإيران نفسها في دمشق، وفرضت ما يشبه سيطرة مطلقة على محيط بغداد وبيروت. وفي الأثناء، يقوم التهميش الهيكلي للسنة في العراق ولبنان بتقسيم هذه المجتمعات، كما هو واضح في صعود المجموعات الجهادية. وهذا هو سياق الصراع السوري.
بعد ثلاثة أعوام من الانتفاضة العربية، توصف (الثورة السورية) بأنها ميتة، كما أن وصفها باسم "الأزمة السورية" لن يكون صحيحاً أيضاً. فبسبب تشابكها مع الانقسامات السياسية والطائفية القائمة في العراق ولبنان، لم تعد الحرب مقصورة بشدة على سورية: إن المنطقة تشهد ظهر مسرح حرب واحد، فيما يمكن أن نصفه بأنه منطقة "سيل" -اختصار سورية والعراق ولبنان.
ربما يقول البعض إن هذا يجيء فقط كنتيجة لتدفق الصراع السوري إلى الدول المجاورة. لكن هذا الطرح تبسيط مبالغ فيه. فبعد كل شيء، تبقى تداعيات الحرب في سورية مختلفة تماماً عن تداعياتها على الدول المجاورة الأخرى: تركيا والأردن وإسرائيل. وتشعر هذه الدول بالعبء (خاصة الأردن فيما يتعلق باللاجئين)، لكن مصائر هذه الدول تظل أقل اعتمادا بكثير على مآلات التطورات في حلب ودمشق.
مع ذلك، يتبع النسيج المجتمعي والاصطفافات السياسية في العراق ولبنان خطوطاً متشابهة جدا مع الحالة في سورية. وتواجه منطقة "سيل" مأزقاً مشتركاً: مؤسسات دولة ضعيفة، وتهميشاً متزايداً للسنة، وتبعاً لذلك صعود مجموعات تابعة أو منبثقة عن تنظيم القاعدة، والتي تنشط على نحو متزايد متجاوزة الحدود القومية. وكنتيجة لذلك، لا تشكل السياسات المحلية في البلدان الثلاثة شؤوناً معزولة.
يمتد حزام النفوذ الإيراني، في الأثناء، من أفغانستان إلى البحر الأبيض المتوسط، لكن هذا الوضع يتعرض لتهديد المجموعات الجهادية، مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق وسورية، وكتائب عبدالله عزام وجبهة النصرة في لبنان.
ما تزال غالبية السنة تدعم الأحزاب السياسية المعتدلة، مثل حركة المستقبل التي يتزعمها سعد الحريري في لبنان، والحزب الإسلامي العراقي، اللتين تعملان في إطار النظام الديمقراطي بقليل من النجاح. وكلما طال أمد إبعاد تلك الأحزاب عن مراكز القوى، أصبح البديل الجهادي أكثر استقطاباً.
هنا ينطبق القول القديم: إذا لم يستطع المرء تحقيق المشاركة من خلال السبل غير العنيفة، فإن العنف يصبح بديلاً معقولاً ومشروعاً بالنسبة للبعض. وعليه، لا يجب أن يتفاجأ أحد حين تصبح المعارضة أكثر عسكرة.
يتشكل رد الفعل العنيف على إمساك القوى الموالية لإيران بمؤسسة السلطة وقواها الأمنية من طبقتين: أصبحت الضواحي الشيعية ومؤسسات الدولة أهدافا مشروعة لمختلف المجموعات الجهادية. وبالإضافة إلى تصاعد الإرهاب المعادي للشيعة، تشهد المنطقة في هذه الآونة زيادة ملحوظة في وتيرة الهجمات التي تُشن على القوات المسلحة العراقية واللبنانية، والتي ينظر إليها على أنها أدوات في يد إيران.
في لبنان، من الممكن تعقب تطرف المواطنين السنة (أكثر من ربع المواطنين) إلى استيلاء حزب الله المتدرج على الدولة اللبنانية. ومن خلال تهديده الحاضر دائماً باستخدام العنف واغتيال كبار الشخصيات السنية، فرض حزب الله نفسه كأقوى حزب سياسي في السياسة اللبنانية.
وفي الأثناء، لم تطأ قدما زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق سعد الحريري أرض لبنان منذ عامين، بسبب مخاوف من أن يلقى نفس مصير والده الراحل. وفي غياب التواصل بين الحريري ودائرته الانتخابية، انتهز المتشددون المحليون مثل الشيخ الأسير في صيدا والشيخ حسام الصباغ في طرابلس الفرصة لتقديم نفسيهما على أنهما الشخصيتان المقاومتان البديلتان ضد حزب الله. وكان حسن نصر الله قد أقصى الحريري بحكم الأمر الواقع إلى خارج المشهد السياسي، وأصبح يجد نفسه في الوقت الراهن مضطراً للتعامل مع القاعدة بدلاً من ذلك، كما يتضح من هجمات السيارات المفخخة ضد معاقل حزب الله في جنوب بيروت والهرمل. وهكذا، أصبح الشيعة اللبنانيون مثل "إخوتهم" في بغداد، من بين الضحايا الرئيسيين للإرهاب الجهادي.
تبدو الفوضى السياسية في العراق مشابهة على مدهش. فقد تزعم نوري المالكي السياسة الشيعية في إطار النظام السياسي العراقي، وقام بتهميش المواطنين السنة بوتيرة متزايدة، بينما لم يبتعد عن النزعة الطائفية. وقد أطر المالكي المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بأنها "مواجهة شرسة بين مؤيدي الحسين وبين مؤيدي يزيد"، في إشارة إلى معركة كربلاء في العام 680، والتي شكلت تطوراً رئيسياً في الهوية والتراث الشيعي. وفي الأثناء، ظهرت صور عديدة في وسائل التواصل الاجتماعي لجنود عراقيين وهم يرفعون الرايات والرموز الشيعية.
على نحو مشابه لمعضلة السنة اللبنانيين، أصبح السنة العراقيون مجبرين على الاختيار بين الأحزاب السياسية من الاتجاه السائد، والتي تنطوي على القليل من النفوذ والسطوة، وبين المجموعات المتطرفة التي تعرض المقاومة العنيفة ضد مؤسسة الدولة التي يهيمن عليها الشيعة. وبالنسبة لمجموعات مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام، فإن هذا الواقع يوفر أرضا خصبة لاستقطاب المجندين الجدد. وتعمل نزعة المالكي الطائفية على تعزيز رسالة هذه المجموعات بأن الشيعة قد استولوا على كل البلد.
لم يمر أسبوع على دخول العام 2014 حتى كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ينخرط في قتال شرس في سورية، ويقوم بتفجير سيارة مفخخة في بيروت، ويهاجم قوات مؤيدة للحكومة العراقية في الرمادي والفلوجة. ويبقى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أكثر نشاطا ويسيطر على أراض أكثر مما فعله تنظيم القاعدة المركزي في أكثر من عقدين. وتشكل نشاطات الدولة الإسلامية في العراق والشام عبر الحدود، إلى جانب صعود جبهة النصر في لبنان، مؤشرين واضحين على صعود الشبكات الجهادية في منطقة "سيل".
يشكل استيلاء القوى المؤيدة لإيران على دول سورية والعراق ولبنان صورة معقدة وقاتمة للمستقبل. وفيما يستمر إقصاء السنة عن صنع القرار، سيختار المزيد والمزيد من الشباب الانضواء تحت الراية السوداء للقاعدة. هذا هو المأزق المشترك الذي تواجهه سورية ويواجهه العراق ويواجهه لبنان.

*دكتور زميل في مركز الأبحاث التطبيقية للابتكار الأمني في جامعة ليفربول هوب.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: Syria, Iraq, Lebanon: The New AfPak.

[email protected]

abdrahamanalhuseini@