سوسيا: ضحية أخرى للاحتلال الإسرائيلي؟

صخرة على مشارف قرية سوسيا الفلسطينية عيها كتابة ترحب بالقادمين - (أرشيفية)
صخرة على مشارف قرية سوسيا الفلسطينية عيها كتابة ترحب بالقادمين - (أرشيفية)

باتريك ستريكلاند - (ذا بالستاين كرونيكل) 18/6/2012
 ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يافا- في الأسبوع الذي سبق كتابة هذا الموضوع، سلمت القوات العسكرية الإسرائيلية أوامر هدم لسكان سوسيا، تلك القرية الصغيرة الواقعة في تلال الخليل الجنوبية. وقيل لسكان القرية إنهم أقاموا بصورة غير قانونية أكثر من خمسين من المباني من دون الحصول على إذن بناء من قوات الدفاع الإسرائيلية.اضافة اعلان
وجاء أمر الهدم بضعة أيام قصيرة بعد أن قامت "ريغافيم"، وهي منظمة غير حكومية يمينية يهيمن عليها المستوطنون الإسرائيليون، بتقديم التماس إلى المحكمة العليا في لإسرائيل، والذي طالبت فيه بفرض تجميد على البناء في سوسيا.
وتقع القرية، لخيبة أمل واستياء سكانها الكبيرين، في المنطقة (ج) من الضفة الغربية، وهي الأرض التي تم إخضاعها للإدارة الإسرائيلية الكاملة بعد اتفاقات أوسلو. وتقع سوسيا مباشرة تقريباً في مقابل سياج مستوطنة إسرائيلية شديدة العداء بشكل خاص، والتي تدعى "سوسيا" أيضاً. وتقع يطا، وهي قرية فلسطينية أكبر من سوسيا بكثير، على بعد أقل من كيلومتر واحد، على الرغم من أن وجود العديد من المواقع العسكرية الإسرائيلية على الطريق بين القريتين.
وبعد تخصيص ثلاثة أيام فقط لاستئناف قرارات الهدم، يبدو أنه سيتم تدمير سوسيا. ويعتزم ممثل القرية القانوني رفع المسألة إلى المحكمة العليا في اسرائيل.
أما "المباني غير المشروعة" التي أقامها سكان القرية، فلا تعدو كونها في واقع الأمر خياماً بنيت على عجل من طوب مصنوع من الرماد وقماش الشادر المقاوم للمطر. وستكون هذه سادس -وليس أول- مرة، سيتم فيها هدم سوسيا على يد الجيش الإسرائيلي. وكانت القرية التي تتألف من البدو، وسكان الكهوف، والفلسطينيين الذين شردوا من صحراء النقب في حرب العام 1948، قد تعرضت للتدمير في الأعوام 1985، 1991، 1997، ومرتين في العام 2001.
وفي كل مرة يتم فيها تدمير سوسيا، تقوم المستوطنة المجاورة باغتصاب المزيد من الأرض التي ينبغي أن تنتمي -قانونياً- لأصحابها الفلسطينيين. ومع ذلك، يرفض سكان القرية المغادرة، وفي كل مرة يتم فيها هدم القرية، يقومون بإعادة بعثها من تحت الركام.
وبالإضافة إلى الهدم المتكرر، ظل القرويون دائماً أهدافاً منتظمة لهجمات المستوطنين المجاورين. وقد تم تسميم آبار مياههم في عدة مناسبات. وكثيراً ما تعرضت أغنامهم، التي يعتمدون عليها في إنتاج الزبدة والحليب كمصدر وحيد للدخل، إلى الذبح على يد جيرانهم المتشددين العدائيين. وفي كل المرات تقريباً، تمتعت اعتداءات المستوطنين بحصانة قانونية وأفلت مرتكبوها من العقاب، ناهيك عن تدمير الجيش الاسرائيلي المتكرر لكهوف القرية التي عاش فيها سكان سوسيا تاريخياً.
وعندما زرت القرية في الخريف الماضي، تحدث إليّ ناصر النواجعة، وهو ناشط منذ وقت طويل من سكان سوسيا، عن إحدى المناسبات التي استخدم فيها الجيش الإسرائيلي الجرافات لهدم بئر المياه العائد لعائلته. وفي ظل قانون الأحكام العرفية الإسرائيلي، لا يسمح للفلسطينيين في المنطقة (ج) من الضفة الغربية بالحفر في الأرض لأعمق من ثلاثة أقدام من دون تصريح. وقد تذكر النواجعة أن الجنود قاموا بعد تدمير البئر بحشو قاعه بقطع غيار السيارات المهترئة من أجل ثني العائلة عن إعادة بنائه خوفاً من التسمم بالصدأ.
وفي السنوات الأخيرة، ساعد ناشطون دوليون ومنظمات يسارية إسرائيلية غير حكومية في لفت الانتباه إلى وضع سوسيا المزري والذي يرثى له. وتقوم منظمة "كسر حاجز الصمت"، وهي منظمة تتكون من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي السابقين الذين قرروا التحدث ضد انتهاكات الاحتلال، بتنظيم جولة منتظمة للأجانب من أجل مقابلة عائلة النواجعة في سوسيا. كما حاولت منظمة "حاخامات من أجل حقوق الإنسان" أيضاً رفع مستوى الوعي داخل إسرائيل بحقيقة الصراع الذي تواجهه قرية سوسيا على أيدي الاحتلال العسكري واستمرار التوسع الاستيطاني.
ومع ذلك، بقيت العديد من الجهود الدولية لمساعدة سكان سوسيا قصيرة النظر وأكثر عناية بالظهور بمظهر الطرف الذي قدم المساعدة، بدلاً من أن تعمل على إصلاح جذور المشكلة. وعلى سبيل المثال، لم يتم سوى فعل القليل لمساعدة القرويين في الحصول على المياه لسقاية أغنامهم. ويتوقع أن تلجأ عائلة النواجعة، بسبب تدمير آبارها بشكل متكرر، إلى شراء المياه من قرية يطا، والتي تكلف ثلاثة أضعاف سعر المياه داخل إسرائيل، دون أن يشمل ذلك أجور النقل.
ولا تشكل محنة سوسيا سوى إلماح صغير إلى جدلية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأكبر والأوسع نطاقاً. وسوف يواصل المسؤولون الإسرائيليون اتهام الفلسطينيين بأنهم غير مستعدين لاستئناف مفاوضات السلام، في الوقت الذي تقوم فيه قواتهم العسكرية ومستوطنوهم باستخدام قوة السلاح لانتزاع الضفة الغربية من سكانها الأصليين. وأثناء ذلك، سوف تستمر الحكومات الغربية والمجتمع الدولي في تصوير الوضع بشكل سخيف وغرائبي: ثمة ديمقراطية ضعيفة تحاول احتواء "إرهابيين" مضطربين.
ومع ذلك، يشكل النضال في سوسيا شيئاً مختلفاً تماماً. إن القرويين، الذين لا ينطوون على أي من الصفات العنيفة التي يتسم بها المستوطنون المتعصبون الذين غالباً ما يهاجمونهم، هم أناس ملتزمون بالعيش على أرضهم. ولن تتمكن أيّ من الحجج الاستعمارية القائلة بعكس ذلك من إقناعهم بالعكس.
وعلى الرغم من أن سوسيا تواجه عملية إبادة وشيكة أخرى، فإنها ترفض أن تكون الضحية المقبلة للاحتلال الإسرائيلي العسكري الخانق المستمر منذ 45 للضفة الغربية وقطاع غزة.
وقال لي ناصر النواجعة: "لقد تم طردنا وتشريدنا من أرضنا خمس مرات. ولن نغادر مرة أخرى".


*كاتب مستقل يعيش متنقلاً على جانبي "الخط الأخضر" في إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وهو مراسل أسبوعي يكتب عن شأن اسرائيل وفلسطين لمطبوعة "بيكي يا مصر"، ويكتب بانتظام على موقعه الإلكتروني الخاص.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Susiya: Another Casualty of Israeli Occupation?

[email protected]