"سوشلجية" إسرائيلية

مما قد يكون طرفة حقيقية أنّ بعض الأشخاص يصبحون مسؤولين أميركيين، بانتظار تقاعدهم، ليتحولوا إلى محاضرين يلقون محاضرات مقابل عشرات ومئات آلاف الدولارت، وأحياناً يصلون المليون دولار للمحاضرة الواحدة. هذه قصة قديمة ومعروفة، والجديد، أنّ هناك مسؤولين أميركيين كما لو أنهم أصبحوا "مسؤولين" لينموا عدد المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم. أي صاروا رؤساء ووزراء ومستشارين، ليصبحوا "سوشلجية"، وهو مصطلح شائع لمن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي (أو الإعلام الاجتماعي)، social media، ليصبح ما يصطلح على تسميته اسم "مؤثر"، له متابعون، وربما لاحقاً يأخذ دخلاً من الإعلانات على منصاته الاجتماعية. من هؤلاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذاته، وممثله لشؤون المفاوضات، المحامي المتخصص بقضايا الإفلاس، جيسون غرينبلات.اضافة اعلان
لكن هناك ظاهرة أخرى هي "السوشلجية" الإسرائيليون الذين يستخدمون العربية، أو يستهدفون "زبائن" عرباً.
قد ننتقد أبناءنا، وطلابنا، وموظفينا، وأصدقاءنا، أنّ انشغالهم بـ "فيسبوك" وما شابه، يعطلهم عن الدراسة، أو العمل، هذا يقود لطرفة أن انشغال غرينبلات بتويتر عطّله عن إنهاء نصوص صفقة القرن؛ فكمية المواد التي يبثها والنقاشات التي يدخل فيها غرينبلات على "تويتر"، تثير سؤالا، متى يجد وقتاً لأمور أخرى؟
كنت في لقاء في عمّان يحضره مجموعة من المهتمين بالشأن العام، سألوني عن الأخبار التي ينشرها صحفي إسرائيلي معين عن الأردن. خجلت أني لا أعرف اسم الصحفي أو ماذا قال. لأكتشف لاحقاً أنهم يقصدون أشخاصا، ربما يعملون في الصحافة، نشروا معلومات على وسائل الإعلام الاجتماعي. أجزم أن بعضهم يقرأ "دردشات" فيسبوك عربية، ومواقع انترنت هابطة، ويعيد نشرها، فتبدو كأنها "من مصدر مطّلع".
ذكرتني قصص الصحفيين هذه بصحيفة أردنية أسبوعية أخبرني أحد العاملين فيها (في التسعينيات) أنّهم يشترون من صحفيين في صحف يومية أخبارا ترفض صحفهم نشرها، الذريعة التي قالها الصحفي أنّ تلك الصحف لا حرية فيها، هذا ربما بعض الحقيقة، البعض الآخر أن معايير النشر والتوثق والدقة مختلفة أحياناً أيضاً. ومن هنا الصحفي الذي لا تنشر له الصحف تقاريره، يلقي بها في سلة "السوشال ميديا"، ويضعها أمام الزبائن العرب.
هناك ما هو أكثر من ذلك، على سبيل المثال، تحدث رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، نهاية العام 2017، في مؤتمر الدبلوماسية الرقمية، الذي عقد بحضور 30 دولة في القدس، قائلا إنه يفضل الـ "فيسبوك" على "تويتر"، مفتخرا بفيديوهاته وتعليقاته خصوصاً الموجهة لإيران، وقال أيضاً إنّه يريد "الرجل والمرأة في الشارع، والتاجر في السوق، والطفل في المدرسة، (في العالم العربي)، أن يفهموا أنه يمكن أن يستفيدوا من إسرائيل"، وأن يعرفوا أن إسرئيل "بلد رائع ديمقراطي، حيوي، ينتج الكثير من الأمور التي تجعل الحياة أفضل"، وقال "إن هذا ممكن فقط عبر وسائل الإعلام الاجتماعي. وهذا يحدث فعلا. وهذا جزء أساسي من تركيزنا". ووضعت الصحيفة عنواناً لتقريرها عن المؤتمر هو "نتنياهو: إسرائيل تنتصر على العالم العربي في الإعلام الاجتماعي". وقالت الصحيفة إن نتنياهو استخدم في كلمته أرقاما من استطلاع رأي أجرته وزارة الخارجية الإسرائيلية، وشكك بمنهجيته الخبراء وانتقدوه، يثبت أن هناك قبولا عربيا شعبيا أكبر لإسرائيل. في الواقع إن توظيف نتنياهو لمثل هذه الاستطلاعات (المفبركة) مثال على "السوشلجية" الإسرائيلية.
حمى وسائل التواصل الاجتماعي وصلت ضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتحديداً ما يسمى الإدارة المدنية، التي صارت تستخدم "فيسبوك" لتوصيل رسائلها لفلسطينيين، وكما تدل ورقة تقدير موقف، أعدها الباحث عوض مسحل، لصالح مركز "مسارات" للدراسات في فلسطين، يستخدم ما يسمى "المنسق" أي ضابط الاحتلال المسؤول في الضفة الغربية عن الشؤون المدنية الفلسطينية الفيسبوك، ووصل عدد المتابعين لصفحته، التي لا يوجد فيها سوى اللغة العربية، أكثر من نصف مليون شخص، وعامل جذب أساسي للصفحة تحويلها لمنصة للإعلانات عن مسائل تتعلق بتصاريح السفر وتصاريح العمل وأمور حياتية أخرى.
عملياً "السوشلجية" أنواع: من يتسلى بالموضوع دون طموحات كبرى، أو من يحاول أن يكون مشاركاً بالمجتمع بفعالية وإيجابية، وجزء آخر مستعد لارتكاب كل الحماقات، والابتذالات، والخطايا، ليحصد متابعين وإعجابا، وجزء رابع يمرر أجندة سياسية مشبوهة. عندما يكون "السوشلجي" إسرائيلي يستهدف العرب بلغتهم، لينشر لهم أخبارهم هم، فلا يمكن أن يكون من الجزء الأول، ومن يتعامل معه يرتكب خطأً.