سوف نزرع روما!

تضمن تقرير ديوان المحاسبة للعام 2019، العديد من المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية، التي تسببت بخسارة خزينة الدولة عشرات الملايين من الدنانير، ناهيك عما تضمنه من ظلم للكثيرين، ممن يملكون الشهادات والمؤهلات والكفاءات، إذ كان يتم غض الطرف عنهم، مقابل تعيين أشخاص، لا يملكون أي مؤهل. التقرير، الذي جاء فيما يقرب من الـ600 صفحة، كشف عن الكثير من الفساد المالي والإداري، الذي يتغلغل وما يزال، في جل أركان القطاع العام، إلا أن أهم ما جاء فيه، أو يلفت الانتباه إلى درجة لا يصدقها عقل، هو عدد الملحقين الزراعيين في السفارة الأردنية في العاصمة الإيطالية روما. التقرير أظهر مخالفات بتعيين ملحقين زراعيين في سفارتنا في روما، والذين تتمثل مهمتهم بمتابعة القضايا المتعلقة بالقطاع الزراعي.. الله أكبر، نحن في الأردن، لا نهتم بالزراعة، والتي هي من الأساسيات في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي النهوض بالاقتصاد الوطني، الذي يُعاني ما يُعاني، لكننا نُريد إنجاح الزراعة في إيطاليا، أو ننظم شؤون الأردنيين العاملين بالزراعة هناك، أو نعتقد الاتفاقيات العظيمة لدعم زراعاتنا! ما يدعو للصدمة، هو قيمة المبالغ المالية المصروفة لهؤلاء الملحقين الزراعيين، والتي بلغت نحو 839 ألف دينار، خلال فترة أعوام وجيزة فقط، وما يدعو للقهر، هو أن جميع هؤلاء الملحقين، باستثناء واحد فقط، لم يقدموا أي تقرير خلال فترة إلحاقهم بالسفارة، فضلًا عن أن جميعهم، باستثناء واحد أيضًا، لم يجتازوا الدورة التأهيلية في المعهد الدبلوماسي. وبعيدًا عن أن ذلك يدل على تغول واستهتار وعدم المحافظة على المال العام، الذي جله يأتي من ضرائب يدفعها الأردنيون، ما يدل على وجود نقص واضح بالانتماء للوطن، فإن وزارة الزراعة تقوم بإيفاد العديد من موظفيها إلى إيطاليا للمشاركة بفعاليات تتعلق بالقطاع الزراعي، رغم وجود ملحقين زراعيين، فترتب على ذلك هدر مالي بلغت قيمته ما يقرب من الـ27 ألف دينار. الأمر المُبكي المُضحك، هو أننا نستثمر بالقطاع الزراعي، لكن ليس في وطننا، بل هناك في أقصى بقاع الأرض (روما)، التي تمتاز بما تمتاز به من تقدم ورقي وتطور، على أكثر من صعيد ومجال. نعم، المسؤولون في الأردن سوف يزرعون العاصمة الإيطالية، لكنهم يغضون الطرف، عن سبق إصرار وترصد، عن الاستثمار، بما لدينا من أراض جاهزة للزراعة، لا ينقصها إلا أناس، يخافون على الوطن، وينتمون إليه ويخلصون له. الخبراء الزراعيون، بُحّت حناجرهم، وهم يصرخون ليل نهار، وفي كل مناسبة، بأن نفط الأردن، يكمن في أغواره؛ الشمالية والوسطى والجنوبية. نعم، نفط الأردن في الزراعة، فهذه المناطق تُنتج، بما حباها الله عز وجل من مناخ، تحسدنا عليه الكثير من الدول، منتوجات زراعية على مدار العام. فعلى سبيل المثال، مادة البندورة، يبدأ إنتاجها في مناطق الأغوار الجنوبية، وعندما تنتهي تبدأ بالأغوار الوسطى، وعندما تنتهي، تبدأ الأغوار الشمالية، بإنتاجها، وعندما تقل في هذه المناطق، تكون أراضي المفرق بالمرصاد لإنتاجها، وضمن أفضل المواصفات. قد يتقبل المرء مرغمًا، تعيين مدير تنفيذي لشركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية، بمخصصات مالية تتجاوز الـ68 ألف دينار شهريًا، وممرضة في وزارة الصحة، وهي ما تزال على رأس عملها في أمانة عمان الكبرى، التي بدورها تقوم بتعيين الآلاف، منهم أكثر من 550 منتدبين في وزارات ومؤسسات حكومية. وقد يُصاب الشخص بالهم والحزن، لتعيين رؤساء مجالس إدارات بآلاف الدنانير شهريًا، وتعيين رئيس قسم في المعهد الدبلوماسي لا يحمل الثانوية العامة، ومنح رخص استيراد أغنام في يوم عطلة رسمية. لكن أن نزرع إيطاليا، فهذا ما لا يتقبله عقل، ولا منطق، ولا يدخل إلا من باب إمعان السخرية بالمواطن!اضافة اعلان