‘‘سوق البدو‘‘ .. عبق الماضي يطل كل جمعة في رأس العين

بائعتان تعرضان سلعا شعبية وتقليدية في "سوق البدو" في منطقة رأس العين - (تصوير: محمد مغايضة)
بائعتان تعرضان سلعا شعبية وتقليدية في "سوق البدو" في منطقة رأس العين - (تصوير: محمد مغايضة)

عبدالله الربيحات

عمان- ليس عاديا أن يلتقي الزمان والمكان على موعد يرتبط بالذاكرة الشعبية ويرسم صورة ولا أحلى؛ فالزمان هو صباح كل جمعة، والمكان هو الأكثر عراقة في العاصمة عمان، وتحديدا في منطقة رأس العين التي تجمع بين الحداثة والأصالة.اضافة اعلان
هناك حيث يلتقي أبناء البدو والريف القادمون من المحافظات الباحثون عن باب رزق، يعرضون بطريقتهم القديمة الأجبان والألبان والخضراوات والطيور والأرانب بأسعار تناسب الجميع، استمد "سوق البدو" تسميته ليس من بائعيه البدو فقط وإنما من طبيعة السلع المعروضة ذات السمة البدوية.
في هذا السوق الذي يبدأ من بعد صلاة الفجر وحتى صلاة الجمعة تجد منتجات البدو والأرياف من الأجبان والألبان والخضراوات وأنواعا من الطيور والأرانب بأسعار تناسب ذوي الدخل المحدود.
وبرغم من مرور أكثر من أربعين عاما على نشأة هذا السوق الذي مر بأحداث تاريخية، لم تتغير ملامح الاتجار ولا نوعية المنتجات المعروضة فيه وبقيت شاهدة على استمرار التاريخ في جزء من عمان رغم الغزو الحداثي متمثلا بالمولات العصرية بسلعها التي لا تعد ولا تحصى.
يقول أبو عبادة (64 عاما)، كل يوم جمعة تقريبا ومنذ السادسة صباحا أركب الحافلة التي توصلني لمنطقة رأس العين كي أتبضع من هذا المكان الذي يجمع منتجات ذات جودة عالية وبأسعار مناسبة.
ويضيف، تجد في هذا السوق "الزبدة، اللبن الرايب، الجبنة البيضاء، السمن البلدي، خضراوات وفواكه، زغاليل، أوراق الملوخية"، مشيرا إلى أن بائعات مسنّات في هذا السوق يأتين كل جمعة من المحافظات البعيدة ببضاعتهن أصبح لهن زبائن دائمون.
ويؤكد أبوعبادة أن هؤلاء الباعة الذين لا يجتمعون إلا يوم الجمعة فقط وبشكل منتظم، يفترشون الأرصفة والشارع الذي يكون خاليا تقريبا من السيارات في هذا اليوم.
ومنطقة رأس العين هي إحدى أقدم مناطق العاصمة عمان، وتقع في الجزء الأوسط منها وتتكون من عدة أحياء أو تجمعات سكنية، وسميت بهذا الاسم لأن منبع سيل عمان كان فيها قبل أن يجف وتنضب مياهه.
ويقول محمد عواد عن سوق البدو، "نادرا ما تجد سوقا يجمع منتجات عديدة وبجودة جيدة وبأسعار مناسبة جدا أيضا".
ويضيف عواد، الموظف في القطاع العام، "ليس بالضرورة أن يكون السوق في مكان من عمان الغربية أو ذا واجهات جذابة كي يجذب المواطنين، فهذا السوق رغم بساطته إلا أنه يجذب أناسا كثيرين"، مشيرا إلى أن أسواق منطقة رأس العين والأسواق القريبة من منطقة وسط البلد القديمة تجذب الناس من أماكن بعيدة وخاصة كبار السن الذين يعشقون العراقة والأصالة ويؤكدون أن الجودة موجودة في هذه الأماكن.
لكن عواد وبعد أن يتبضع من "سوق البدو"، يقول إنه "يكمل طريقه إلى مطعم هاشم في وسط البلد ليشتري فطورا لعائلته ومن ثم إلى محل حبيبة للحلويات لشراء الكنافة لأطفاله"، مشيرا إلى أن "الناس يخشون أحيانا من عدم وجود مصفات لسياراتهم، لكن سوق رأس العين أو ما يعرف "بسوق البدو" يتميز بأن الطرق إليه سالكة وهناك مصفات عديدة".
ويقول "إذا أردت أن تعرف مدينة ما، عليك الذهاب إلى منطقة وسط البلد فيها، فهناك ترى الأمور على حقيقتها".
ويزخر شارع رأس العين بالفعاليات التجارية والصناعية والرياضية والاجتماعية وغير ذلك، لكن هذا الشارع تقلص واختفى منه قبل عدة عقود جانب من جانبيه وهو المحاذي لسيل عمان؛ إذ قامت وأنشئت في مكان هذا الجانب المباني الحديثة والضخمة لكل من أمانة عمان الكبرى ومركز الحسين الثقافي وقاعة المدينة ومتحف عمان والذي هو قيد الإنشاء الآن.