سوينكا: زرت الضفة الغربية وتفاعلت مع الناس ورأيت اذلال الفلسطينيين

سوينكا: زرت الضفة الغربية وتفاعلت مع الناس ورأيت اذلال الفلسطينيين
سوينكا: زرت الضفة الغربية وتفاعلت مع الناس ورأيت اذلال الفلسطينيين

في حوار مع أول كاتب أفريقي يحصل على جائزة نوبل عن مجمل إنتاجه

حاورته : نوال العلي

  عمّان- رفض الكاتب النيجيري وول سوينكا في البداية إجراء أي لقاء صحافي قائلاً: قلت أنني لن أجري سوى لقاء واحد مع الإعلام وقد أجريت للتو واحداً مع إحدى الصحف.

اضافة اعلان

كان مستعجلاًَ حين التقته الغد في المؤتمر الثاني للحائزين على جائزة نوبل في البتراء، فقد كان سوينكا منهمكاً بالتحضير للحلقات النقاشية، مبيناً :لا أحب اللقاءات كثيراً  لكنه استسلم للإلحاح وقال مبتسماً :هيا، سأسمح بسؤال واحدٍ فقط.

  إنه سوينكا أول إفريقي يحصل على جائزة نوبل للآداب عن مجمل نتاجه في العام 1986 وإن لم تكن هذه ميزته الأهم، فقد كتب العديد من المسرحيات والروايات والقصائد والمقالات الجدلية التي جعلت منه كاتباً عالمياً بلا شك.

كتب سوينكا في سيرته الذاتية التي صدرت بعنوان "عليك ان تنطلق فجراً" قائلاً "إن أكثر ما يهمني الآن هو الفرار إلى خارج الوقت، حيث لا يقاطعني أحد سوى الطرائد ذات القوائم الأربع أو تلك التي تزعق فجأة في قلب الدغل فتثير فيّ للحظة سؤالاً عن جدوى اصطيادها، ثم أقول لكن كم من الوقت يلزمني للغوص في أرجاء الغابة بحثاً عنها؟ في الأثناء يخيّم شعور آخر بوجود طريدة أكبر يمكن للحمها الدسم أن يطعم كتيبة مقاتلين ضلّت طريقها في الدغل،  أنه الدغل، الدغل وحده، برائحته وأصواته المكمومة وملمسه وصمته الذي لا يخترقه شيء، وحده يغمرني أخيراً بتوقعات دافئة. نعم، ذلك فقط، وليس اعادة اللحمة مع أحد أو استعادة أصوات معلقة في فضاء الذاكرة، فهل ذلك نوع من أنواع النفور من البشر؟".

وليست هذه سيرته الذاتية الأولى فقد صدر له في العام 1982 سيرة بعنوان "آكه" تناولت طفولته في نثر غني ومثير يسرد طقوس قبيلته وحضور الأرواح والمغامرات في سنواته الأولى.

  ولد سوينكا في العام 1934 في قبيلة يوربا جنوب نيجيريا وعاش فيها حتى أنهى دراسته بجامعة إيبادان، شهد الحرب الأهلية في بلاده وزج في السجن بسبب مقالاته التي تميزت بالنقد اللاذع والقوي اللهجة، ثم اتهم بالتآمر ونفي إلى خارج البلاد.

كتب سوينكا روايته الأولى "المفسرون" التي يمثل أبطالها مجموعة من المثقفين المخذولين والمفجوعين بوطنهم. ثم كتب مسرحية "لعبة الموت وفارس الملك" التي يحاول فيها خادم الملك الانتحار إثر موت حصان الملك لكنه يمنع من ذلك بالقانون.

وبعد فوزه بجائزة نوبل خرج في مسيرة المليون شخص لإسقاط حكم "أباشا" في نيجيريا، حيث حكم عليه بالإعدام إثر ذلك وعاش منفياً في الغرب.

*بمناسبة مشاركتك في المؤتمر الثاني للحائزين على جائزة نوبل، هل تعتقد أنه يمكن لمثل هذا المؤتمر أن يضع استراتيجيات أو تصورات لحل أعقد ما نواجهه من قضايا في دول العالم النامي؟

-أرى أن ثمة تصريحات كثيرة وتقارير واضحة تطرح في هذا المؤتمر، المهم أن المجتمعين هنا قادرين بالفعل على التعبير عن العديد من المشاكل العالمية بدقة وتشريح، وهذا أمر مشجع، فنحن في عصر البحوث ونحتاج بالفعل لدراسات دقيقة وعميقة. أود أن أضيف ان المثقف أوالمفكر يعرف تماماً ما يدور وباستطاعته أن يقرأ السياسي جيداً، وأن يتكهن بالمسار الذي تؤول إليه الأشياء اما السياسي فغالباً لا يعرف ما يدور في ذهن المفكر. ما يحدث في هذا المؤتمر هو جمع نخبة من المفكرين يعلمون تماماً ما يجري ويحاولون الوصول إلى حلول عملية لقضايا إشكالية ومتجذرة، وفي الحقيقة أنا لست سلبياً لكني متحفظ في تفاؤلي أيضاً.

*كنت ممن تحدثوا عن القضية الفلسطينية أثناء الحوار مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وربما تكون قد سمعت الحوار مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس كيف تقرأ كمثقف عالمي الخطاب الفلسطيني إلى جانب الإسرائيلي.

-للأسف لم أكن موجوداً في الحوار مع الرئيس الفلسطيني، ما رأيته في مقابلات أولمرت أنه لا يخاف من مواجهة الأسئلة الصعبة، ولا يتهرب من الرد فهذا يترك المجال مفتوحاً للتأويل، لذلك يجيب إجابات واضحة. لكن هناك ملاحظة لابد من ذكرها، أن ثمة أسئلة كثيرة لم تسأل.

*تطرقت أثناء الحوار إلى زيارتك للضفة الغربية وإسرائيل ماذا تخبرنا عن هذه التجربة؟

-ذهبت إلى الضفة الغربية  في العام 2003، وهناك التقيت بالشاعر محمود درويش وكنت قد قرأت بعضاً من شعره المترجم، تفاعلت مع الناس وزرت كل ما استطعت الوصول إليه من أماكن، فمن بيت ياسر عرفات حتى أصغر قرية فلسطينية، ورأيت حالة الإذلال التي يعيشها كل الفلسطينيين، كما انتقلت إلى الجانب الإسرائيلي ولمست سيطرة بعض الأفكار المسبقة والأفكار على عقول المواطنين هناك، وهذه مسألة لها بعد امتد على فترة طويلة من الصراع بين الشعبين.

*أنت شاعر وروائي وكاتب مقالات وكاتب مسرحي، كيف بدأت الكتابة وما الذي يدفعك لممارسة الكتابة في أكثر من شكل أدبي؟

-أعتقد أن علاقتي المركبة بالعالم من حولي وتأملي العميق في الذات وتعالقها بكل ما يحتويه العالم، والقدرة على التخلص من سطوة الأنا في الوقت نفسه، جزء أساسي من فعل الكتابة، بل ربما يكون دافعاً أحياناً.

كتبت في أشكال كثيرة، نعم، لكن هذا لا يمنع اني أجد نفسي ككاتب وإنسان في المسرح أكثر من أي شكل آخر، فقد ارتبط بطفولتي ارتباطاً وثيقاً، كما أنه يتمتع كجنس إبداعي بأنه يخلق في كل مرة لدى الكاتب طريقة جديدة للتخيل والإبداع، والدخول في مناطق مغمورة تحت اليومي والمعاش. وأريد أن أضيف أن جمال المسرح كامن في أنه مرتبط بزمانه بشكل ما، وان فيه المجازفة والمخاطرة مع الجمهور، فهو منطقة مفتوحة وخاصة بين المبدع وبين المتلقي في آن واحد. وأنا أعرف تماماً ما معنى سطوة الكلمة على الآخر فقد تربيت في بيئة تشكل الكلمة فيها جزءاً أساسياً من الطقوس والثقافة ككل.

*كنت قد أدليت أثناء الاحتفال بالذكرى 87 لمولد الرئيس السابق لجنوب أفريقيا نلسون مانديلا بتصريح حول الأصولية الدينية قلت فيه "هناك معسكران أحدهما للحياة والآخر للموت، وعلى كل منا أن يختار الموقع الذي يقف فيه ". هل يمكن أن تعطينا رأيك الآن خاصة بعد تطور الأحداث في الساحة العالمية؟

-كنت قد قلت إن قضية القرن العشرين تمثلت في العنصرية واني أعتقد أن قضية القضايا في القرن الواحد والعشرين ستكون في الفوارق بين الأديان. ولكني أؤكد أن خطورة القضية ليس أن صراعاً سيحدث بين الديانات وأتباعها بل على ما يكمن في الأصولية من خطر حقيقي ، فهي تمثل التطرف الأعمى والجهل الحقيقي وربما التجاهل لكل ما تملكه الحضارات الإنسانية والديانات من معان نبيلة عن الآخر. 

*كيف تشعر وأنت حائز على جائزة نوبل؟

-لا أشعر بشيء، الجائزة لم تغيّر فيّ أي شيء، فأنا لازلت كما كنت، ولم أختلف كثيراً. غالباً ما يعتقد الناس أن الحائزين على نوبل حكماء وهذا ليس صحيحاً، لكن الجائزة تمنحهم القدرة على التنقل والتعرف على مفكرين آخرين، ومزايا اخرى لا تغير في المبدع شيئاً.