سياسات التعليم تخالف الأولويات الاقتصادية

مع الإقرار التام أن الحق في التعليم واختيار التخصص والمسار التعليمي والمهني هو حق للأفراد، يترتب عليه ترك الخيار للطلبة لاختيار تخصصاتهم حسب رغباتهم وميولهم، إلا أن من واجب الحكومة أن ترسم سياسات التعليم بما يوفر لمواطنيها الحق في العمل والعيش الكريم.اضافة اعلان
المتتبع لما يجري في مجال التعليم في الأردن، لا يجد صعوبة في اكتشاف الفجوة الكبيرة بين الخطاب الحكومي المعلن الذي يركز على مواءمة سياسات التعليم مع احتياجات سوق العمل، لا بل يمتد للتأكيد على أهمية التوسع في التعليم المتوسط والمهني، لأن سوق العمل الأردني يوفر فرص عمل لأصحاب هذه المهن.
بالمقابل تسير سياسات التعليم باتجاهات مغايرة، حيث التوسع الكبير في التعليم الجامعي - جله غير مفيد- ويدفع باتجاه زيادة أعداد البطالة التي وصلت الى مستويات مرتفعة جدا خلال الربع الأول من العام الجاري 2020، ويتوقع وصولها الى مستويات غير مسبوقة فيما تبقى من هذا العام.
غابت أهداف ومحاور الاستراتيجية الوطنية للتشغيل 2011-2020، والاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية 2016 -2025 عن راسمي السياسات الحكومية، وهم يدفعون الغالبية الكبيرة من طلبتنا للالتحاق بالتعليم الجامعي، فمن لا يقبل على نظام التنافس في الجامعات الحكومية، يقبل على نظام الموازي فيها، ومن لا يقبل وفق نظام الموازي، يقبل في الجامعات الخاصة.
خلاصة هذه السياسات أدت الى أن تصل معدلات البطالة – قبل تداعيات فيروس كورونا المستجد- بين خريجات الجامعات (الاناث) الى 71 بالمائة، وبين خريجي الجامعات (الذكور) الى 25 بالمائة، الى جانب 19.3 بالمائة معدلات البطالة بشكل عام.
أدت سياسات التعليم التي تتم ممارستها وتخالف مضامين الاستراتيجيات الوطنية المذكورة أعلاه، الى أن يكون "هرم" التعليم – ما بعد التعليم الأساسي- المتعارف عليه عالميا في الأردن "مقلوبا"، حيث نجد أن غالبية الطلبة الملتحقين بالنظام التعليمي يدرسون في الجامعات، إذ يزيد عددهم على عشرة أضعاف الطلبة الملتحقين في التعليم المتوسط والمهني.
نقول إن هرم التعليم مقلوبا، لأن الوضع الطبيعي للملتحقين بالنظم التعليمية -ما بعد التعليم الأساسي- في الدول المتقدمة يتوزع فيه الطلبة بحيث يكون غالبيتهم يدرسون في كليات ومعاهد التعليم المتوسط والمهني، بعكس ما هو موجود لدينا في الأردن.
هذه السياسات لم تأت اعتباطا، ولم تأت رغبة من الحكومة وصانعي السياسات فيها في اتاحة الفرصة أمام طلبتنا لتحصيل تعليمهم الجامعي، ولو كان ذلك لتوسعت في التعليم الجامعي الحكومي، وانما جاء ذلك لتعويض تراجعها عن تقديم الدعم المطلوب للجامعات الحكومية من خلال التوسع في التعليم الجامعي الموازي مرتفع التكلفة على الطلبة، إضافة الى دعم مصالح أصحاب الجامعات الخاصة.
للأسف، يبدو أن هذه المنطلقات والمعطيات هي التي ستحكم اتجاهات سياسات التعليم في المستقبل، كما حكمته خلال العقود الماضية، الأمر الذي سيجهض كافة الطموحات التنموية والاقتصادية في توفير ايدي عاملة مؤهلة ومدربة لدفع عجلة الاقتصاد الوطني.
وستعيق كذلك مواجهة التحدي الأساسي الذي نعاني منه في الأردن والمتمثل بالارتفاعات الكبيرة في معدلات البطالة بما يحمله ذلك من مخاطر متعددة الأبعاد والأوجه، وعندها لن تنفع برامج ومشاريع التشغيل وغيرها من هذه السياسات في تقليص معدلات البطالة، كما فشلت سابقا.