سياسة الحياة

معاريف - عينات وايزمن

بحث فريق موسع من قضاة محكمة العدل العليا أمس (الثلاثاء) استئنافا ضد "قانون الجنسية ودخول إسرائيل (أمر طارىء)" – "أمر طاري" يمنع منذ ثماني سنين، مواطنين اسرائيليين من التوحد مع أزواجهم من سكان الضفة الغربية وغزة بأن يحرم هؤلاء من دخول إسرائيل والإقامة فيها. ان القانون، الذي امتنعت المحكمة عن رفضه في الماضي بعلة انه يخدم "غاية أمنية مؤقتة"، يعرض على أنه تشريع أمني، لكنه لا يرمي الى أن يدفع عن سكان اسرائيل هجمات عدو. هدفه ان يحمي الدولة اليهودية من "التهديد السكاني".

اضافة اعلان

هذه لبنة في حرب عرقية – بيولوجية تقوم بها الدولة ويستعمل فيها القضاء والبيروقراطية سلاحين مركزيين. يمكن أن نعد في ضحايا في هذه الحرب، زيادة على الناس الكثيرين الذين أضرت بهم على نحو غير مباشر، الديمقراطية الإسرائيلية ايضا. فالقانون يجسد في واقع الامر التوتر الداخلي الكامن في المصطلح المفارق "دولة يهودية وديمقراطية". وفي التصادم بين الاثنتين بين الشارع يتم تفضيل دولة يهودية سكانية ولو ذهبت الديمقراطية الى الجحيم.

ومن أجل تليين الأمر الطارىء الطويل الأمد تم فيه تحديد إطار للاعتراف باستثناءات حيث تشكلت "لجنة انسانية" ترمي الى أن تحدد الازواج الذين لا يشكلون خطرا على الدولة. لكن حتى الاستثناء "الانساني" هذا يدل على التفكير العرقي – القومي في أساس هذا التشريع، لأن القلة الذين يحظون بالرخصة المأمولة في البقاء في الدولة هم في الأكثر أشخاص مرضى ومسنون، بحيث أن فلسطينيين غير قادرين على الانجاب يحظون بإمكانية العيش معنا. اما الباقون فهم أحرار في تحقيق حبهم ولكن ليس في دولة اليهود.

إن أكبر تهديد يريد القانون أن يدفعه ليس هو الذي يمثله اولئك الفلسطينيون الذين يريدون التوحد مع اعزائهم، بل التهديد الكامن في ذريتهم المحتملة التي قد تحقق – والعياذ بالله – حقوقهم بل إنهم ربما يصوتون. ومن أجل منع تحقيق هذه الرؤيا المرعبة، رؤية الديمقراطية، يحاول القانون أن يضمن ألا يولد أولاد كهؤلاء.

يثبت هذا القانون، مثل قوانين كثيرة أخرى أن كل شأن الزواج في إسرائيل مستعبد للتفكير السكاني. فهذه محاولة من الدولة للسيطرة على علم الأحياء. ولا يعبر عن ذلك فقط بتجنيد القانون لحماية النفس من التهديد الذي تعرضه الرحم الفلسطينية. في دولة تجري معركة في حقل علم الأحياء ليس مفاجئا أن موضوع علاجات الخصب، والتخصيب الجيني وعلاج أنسجة الجنين هو من الأكثر تقدما في العالم. إن قانون الجنسية الذي كتب وخصص للسكان الفلسطينيين هو لبنة فقط في نظام قانوني تقني كامل هدفه سياسي.

هذا هو الجانب الثاني من السياسة التي تشغل نفسها بالموت وبمن يجب قتله، سياسة الحياة – أي حياة تريد الدولة انشاءها وأي حياة تريد منعها. الحرب السكانية هي قضية معروفة لكنها لا تلخص بالموازنة العددية بين اليهود وغير اليهود، فهناك عنصر مركزي في جهد منع نشوء "مسوخ"، عربية – يهودية او يهودية – عربية.

في الأكثر الاعم، المواطنون الإسرائيليون الذين فصلهم الأمر الطارئ عن أبناء عائلاتهم في الضفة أو في غزة هم فلسطينيون ذوو جنسية إسرائيلية ("عرب إسرائيليون"). لكن الحديث في قليل من الحالات عن أزواج مختلطة تنتظر سنين كثيرة لاجازة لم الشمل. وهم على نحو عام نساء يهوديات أحببن رجالا فلسطينيين وينتقلن من مكتب الى مكتب على أمل الحصول على إجازة الدولة للم الشمل "الذي لا يقبله العقل".

ليست سياسة الفصل أسوارا ترتفع الى أعلى عدة أمتار فقط، بل أسوارا ميكروسكوبية أيضا تبنيها الدولة في مستوى مورثات الحمض النووي. وإلى جانب القيود المفروضة على زواج اليهود من غير اليهود، جهدت الدولة في فصلهم عن جيرانهم الأكثر مباشرة وعن شفراتهم الجينية، وعن حل عاطفي قابل للتحقيق لسنين من النزاع.