سياسة حكومية ضبابية فمن المستفيد؟

توقف توريد الغاز المصري نتيجة الانفجار الأول، وبينما الحكومة منشغلة تماما بعنوان "الإصلاح"، قلنا في حينها إن أمامها مهمة عاجلة لدراسة تداعيات توقفه ووضع خطط مواجهته، وأثره على الأمن الوطني بمفهومه الشامل، والاقتصاد بقطاعاته كافة وقدرته على المنافسة، وعلى حياة المواطنين ومدى احتمالهم ضغوط ارتفاع أسعار الكهرباء والبنزين والكاز والمواصلات والغذاء والماء، وكذلك على معادلة السلم الاجتماعي بعد أن تعرضت خلال السنوات الأخيرة لامتحانات صعبة خفّضت مستوى معيشتهم التي كانت مؤشراتها واضحة للعيان، عندما زادت جيوب الفقر وبقي معدل البطالة يراوح مكانه. وحمل المواطنون في المسيرات والاعتصامات المعيشية المطلبية من الشعارات الكثير ليوصلوا للحكومة رسالة ضنكهم وبؤسهم ورغبة شبابهم بفرص عمل، وليوفروا لأسرهم رغيف الخبز عندما رفعوا شعار "يا رغيف يا عزيز"، مفصحين أن طاقتهم الاحتمالية قد وصلت أقصاها.اضافة اعلان
وجاء الانفجار الثاني وتوقف الغاز المصري ثانية، ما اضطر الحكومة للخروج عن جدولها المعتاد لتعقد اجتماعا استثنائيا لبحث تداعيات التوقف ثانية، وتخرج بإجراءات ترشيدية، تعرف قبل غيرها أنها لا تسمن ولا تغني من جوع. في الوقت نفسه يتعرض ملف مصفاة البترول الأردنية ومنذ سنوات لمرحلة ضبابية طال أمدها، بسبب السياسات الحكومية المتعاقبة.
تم إنشاء المصفاة منذ خمسينيات القرن الماضي بجهود الرواد الأوائل؛ اقتصاديين وسياسيين مؤمنين بالأردن وإدراكهم المبكر بأهمية هذا النشاط على حياة الأردن وأمنه واستقلاله، لتصبح موضع ثقة لدرجة كان المواطنون يتداولون أسهمها قبل إنشاء بورصة عمان وقبل معرفة كثيرين لمعاني الثقة الاستثمارية والادخار بشراء الأسهم. وثبتت صحة هذه الرؤية عندما انفجرت أزمات النفط عرضا وطلبا وأسعارا وتكريرا، حتى في دول عظمى مثل أميركا.
وصاحب وضوح تلك الرؤية سياسات حكومية أردنية عكسية تماما، إذ بعد أن أصبح الأردن يعتمد تماما على مصفاته الوطنية في تلبية حاجته  المتزايدة، برزت حاجة المصفاة للتطوير لتواكب متطلبات السوق كمّاً وجَودة، لكن السياسات الحكومية تركتها في حالة عائمة لم يفهم منها المستثمر أو المساهم أو المواطن أو إدارة الشركة شيئا، ما انعكس سلبا على الشركة وسهمها في البورصة وعلى سوق تكرير النفط الأردني كاملا وأبقاه في حالة من عدم اليقين. الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والأمنية لملف المصفاة، وحجم موجوداتها التي قاربت (800) مليون دينار وحجم دينها على المؤسسات الحكومية وحجم عمالتها وعدد المساهمين فيها وكلفة مشاريع تطويرها أو توسعتها، يستدعي أن تحزم الحكومة أمرها وتوضح رؤيتها لتتمكن إدارة المصفاة من تنفيذها.
القطاع النفطي احتكاري بطبيعته المالية والفنية، ويجتذب الكثيرين الذين يجدون في المصفاة ثمرة ناضجة آن لها أن تسقط في أحضانهم لقمة سائغة، على حساب مصلحة الوطن وأمنه واقتصاده والمساهمين.
سؤال كلّ مواطن: ماذا تريد الحكومة من المصفاة وماذا ستفعل بملف تطويرها؟