سيرك وطني

معاريف

زلمان شوفال

16/1/2019

اضافة اعلان

إن السلوك الفظ لرئيس حزب العمل آفي غباي تجاه تسيبي لفني لا يمكن وصفه الا كزعرنة. كما أن خطوة بينيت وشكيد لم تكن رقيقة على نحو خاص. لفني لم تضف لنفسها النقاط، لا كسياسية ولا كحزبية، حين أعلنت بان التهديد الاساس على إسرائيل ليس إيران او غزة بل استمرار حكم نتنياهو، وينبغي الافتراض بان الجمهور سيتذكر لها هذا. وبالمناسبة، تكثر المؤشرات انه لن يمر زمن طويل حتى يري "رفاق" غباي له الباب إلى الخارج.
كان يمكن التعاطي مع كل هذه الاحداث بدعابة لولا حقيقة انها تشهد على تحطم متصاعد للتعددية الإسرائيلية، وربما لمجرد النظام الديمقراطي. فالأطر الحزبية تضعف اليوم في ارجاء العالم الديمقراطي كله. فرنسا وايطاليا، وبقدر ما الولايات المتحدة أيضا، هي نماذج ملموسة على ذلك، ولكن يخيل ان إسرائيل 2019 جديرة في هذا الشأن بمكان عال في قائمة الارقام القياسية لغينيس.
لقد قال دافيد بن غوريون ذات مرة ان الشعب في إسرائيل لم يكيف لنفسه بعد مزايا الشعب السيادي. وتخوف زئيف جابوتنسكي من ان كثرة الاحزاب في الدولة التي ستقوم ستخلق وضعا لا يكون فيه الحكم ممكنا. فقد كتب يقول: "كل اسبوع يمكن ان تتشكل خلطة جديدة تسقط الحكومة لاي سبب تافه".
كلاهما تطرقا إلى الطابع الانقسامي الذي جلبه الشعب معه من المنفى. لو كانا اليوم بين الاحياء، لكانا نظرا بالتأكيد بفزع كيف ان مخاوفهما التنبؤية تتحقق. فالنظام البرلماني التمثيلي يقوم على اساس الاحزاب – ليس فقط، ولكن بدونها لا يمكن – ولكن الحقيقة العارية هي ان في إسرائيل اليوم لم يتبقَ الا اطارين يمكن ان نسميها بصدق "حزب"، من حيث وجود اساس ايديولوجي موحد على الاقل في النقاط الاساسية، اضافة إلى الطريق السياسي، واحيانا الشخصي أيضا، المشترك: الليكود وميرتس.
لقد كان العمل ذات مرة حركة هامة بل وفاخرة، ولكن من حيث المقاييس آنفة الذكر فإن الصلة بين مباي التاريخي وحزب العمل اليوم، مصادفة ومضللة بالتأكيد. الكتل الاصولية لا تدعي حتى ان تكون احزابا ديمقراطية، اما معظم الاخرى، تلك التي ولدت قبيل الانتخابات الاخيرة وما قبل الاخيرة، او تلك التي برزت الان، فليست سوى منصات مزينة لأنا من يقف على رأسها.
كل هذه القوائم هي شخصية تماما، وليس لاي منها اي نسغ سياسي او برنامجي واضح باستثناء "انتخبوني" لاني انا هكذا. وحتى في منافسة الجمال ينكشف المتنافسون او المتنافسات بقدر أكبر. في هذه اللحظة ليس واضحا بعد كم حزبا كلاسيكيا كهذه ستقف في 9 نيسان امام الناخب. يحتمل ان يكون حتى قبل ان يجف حبر هذا المقال ستبرز بضع احزاب اخرى، سواء من اليمين ام من اليسار. بكلمات اخرى، سيرك كامل – مع حيوانات مفترسة، وبالأساس مهرجين، الكثير من المهرجين.
المشكلة هي انه فضلا عن الجانب الهازئ في هذه الاحداث، يلوح الان خطر حقيقي في أن يؤدي انقسام الاصوات إلى انه مثلما في السويد بعد الانتخابات الاخيرة لا يكون اي طرف في الخريطة السياسية على قدر من الحجم بحيث يتمكن من تشكيل حكومة وكنتيجة لذلك سنضطر مرة اخرى إلى التوجه إلى الانتخابات بعد بضعة اشهر. في وضع آخر يمكن وربما ينبغي أن تقام حكومة وحدة وطنية، ولكن الشروخ الحالية لا تسمح بذلك. ان الرسالة لليمين وللوسط – اليمين في هذا الوضع هي ان كل صوت يعطى لتلك الاحزاب الوهمية، التي في معظمها من شبه المؤكد لن تجتاز نسبة الحسم، ستمس بفرص الليكود برئاسة نتنياهو لمواصلة ادارة سياسة الخارجية والامن المثبتة لإسرائيل، وهذا بالضبط في فترة تكثر فيها التحديات من هذه الناحية.
الرسالة لأولئك الذين في اليسار وفي الوسط – اليسار هي انه اذا كنتم تريدون ان تكونوا ذوي صلة في المستقبل الابعد على الاقل، فابدؤوا في فهم الشعب.