سيناريو استمرار الأوضاع كما هي

تتشكل تقليديا رؤية للمستقبل بملاحظة المؤشرات الأساسية والعامة بناء على تقدير المؤشرات القائمة والحالية وفي أثناء السنوات الماضية؛ مفترضين أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سوف تستمر في مسارها الخطي كما هي قائمة اليوم وكما كانت في السنوات الماضية؛ هكذا ببساطة نسأل ونحاول أن نجيب كيف سيكون الأردن في العام 2030؟ وهو عام ليس بعيدا عنا، إذ نتحدث عن عشر سنوات قادمة فقط. ولو سألنا أين كنا قبل عشر سنوات وأين صرنا اليوم يمكن أن نجيب ببساطة إلى أين نمضي.اضافة اعلان
لقد سألت السؤال نفسه قبل عام عندما بدأت حكومة الرزاز أعمالها، وصدمتنا بأنها ليست سوى استمرار للأوضاع القائمة، وفي ذلك سوف تستمر سياسات الجبابة الجائرة والتقشف والتضييق على مستوى الخدمات الأساسية (التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والمرافق العامة،..) والانحياز في الإنفاق العام، ولم يكن لدى الحكومة لتقوله سوى "داتا شو" أنيق متعجرف وخاوي على عروشه بلا محتوى ولا معنى!
لدينا ببساطة الموارد والأعمال التي تنشئ الناتج المحلي ونرمز إليه بمستوى الدخل والنمو الاقتصادي، ثم السياسات الضريبية وجمع الموارد العامة وإعادة إنفاقها، وما تؤشر إليه بوضوح سياسة الحكومة أنها سوف تمضي في التقشف وتسيير الأعمال دون أي إشارة للتوسع في صيانة وتطوير وتوسعة المرافق والخدمات الأساسية، المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والطرق والمواصلات والمرافق العامة، وببساطة فإن المواطنين سيظلون يدبرون معاشهم وخدماتهم ضمن المرافق والمؤسسات كما كانوا منذ ثلاثين سنة، تضاعفت في أثنائها أعدادهم وتوافد إلى البلد أعداد كبير من المهاجرين واللاجئين، لكن ستظل المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والاجتماعية والطرق تقدم الخدمات نفسها التي كانت تؤديها لنصف السكان، وبمستوى من الاعياء والترهل والتراجع يقل كثيرا عن مستواها قبل سنوات، المدارس تتداعى وقدرتها على استيعاب الأعداد الجديدة القادمة إليها تتراجع، وليس أمام المواطنين سوى المدارس الخاصة أو التسرب من المدارس.
ومستوى المعيشة يتراجع عمليا أمام التحديات والأعباء المتزايدة بسبب ارتفاع الأسعار والتضخم ورداءة مستوى السلع والخدمات، ومن الطبيعي أن يعاني ثلث الأطفال ونصف النساء من سوء التغذية؛ ما يعني ببداهة أن الكفاءة الانتاجية للمواطنين سوف تتناقص.
سوف يكون من الحلول الواقعية أن تتخلى الحكومة عن إلزامية التعليم أو إلزامية الذهاب إلى المدارس، وتكتفي بامتحانات المستوى والكفاءة للتلاميذ، تاركة للأسر والمجتمعات إدارة وتدبير التعليم الأساسي ومهارات الحياة والمعرفة بوسائلهم الخاصة، ومن الطبيعي في ظل ذلك أن نجد نصف الأطفال خارج المدارس وأن نصف هؤلاء على الأقل لا يتعلمون شيئا، ولدينا اليوم أرقام صادمة عن التسرب الواقعي وعن عدم التعلم برغم الذهاب إلى المدارس، إذ إن عددا كبيرا من الأطفال لم يتعلموا القراءة والكتابة برغم السنوات التي أمضوها في المدارس، وإن المستوى الفعلي للتحصيل المعرفي يقل عن نصف عدد سنوات الدراسة التي قضاها الأطفال في المدارس.
وبطبيعة الحال فإن قدرة الطلاب على الدراسة الجامعية سوف تتآكل، وهي اليوم في مستوى منخفض، وستكون الخيارات تراجع التعليم الجامعي ليكون امتدادا بائسا للمدارس أو تقليص أعداد الجامعات والتخصصات والاكتفاء بعدد لا يتجاوز 10 – 25 في المائة من خريجي الثانوية العامة، وأما مستوى خريجي الجامعات وقدرتهم على المشاركة في سوق العمل، فهو يؤشر اليوم إلى ما سيكون الوضع بعد عشر سنوات، حيث يواجه الخريجون تحديات أساسية وكبرى في استيعاب متطلبات وتغيرات الأعمال والمهن الجديدة، والقليل الذي لديهم يلائم أعمالا منقرضة أو تحولت وتغيرت في طبيعتها.
ثم وفي عمليات التقنية والاستبدال القائم للروبوتات والبرامج الحاسوبية محل الناس في العمل، فإن التعليم والتدريب والتعليم المستمر يتغير على نحو جذري، ما يعني تأهيل المعلمين والأساتذة أنفسهم، وتؤشر تقارير البنك الدولي إلى عجز معظم المعلمين والأساتذة عن استيعاب المناهج التدريسية الحالية فضلا عن الجديدة والمتغيرة.
هذا عن التعليم فماذا عن الصحة والعمل والأسواق والتنظيم الاجتماعي؟