سينما فلسطين.. عن أحقية التحليق عالياً في سماء "نتفلكس"

سينما فلسطين
سينما فلسطين

سارة زايد- وجدت السينما الفلسطينية في "نتفلكس" نافذةً لتقدم للعالم إطلالة مباشرة على مشهدها السياسي والمعيشي. كما أظهرت غنى محتواها، فهي ليست فناً سابعاً متشدداً يحكي لنا عن الدم والحرب فحسب. بل تصور لنا هذه الأفلام التي عرضت، وهي 32 فيلماً فلسطينياً بحتاً، حياة الفلسطينيين، بجمالها وعذابها أيضاً، تحت قيود الاحتلال. حيث تتيح لرواد السينما في جميع أنحاء العالم، الامتزاج مع الحياة اليومية لشعبٍ مضطهَدٍ ومحارِب في الآن ذاته.

اضافة اعلان

 

أبرز الأفلام الفلسطينية التي اتخذت من "نتفلكس" موطناً لها:

 

 عمر

في فلسطين المحتلة، يعبر "عمر" الجدار الفاصل كل يوم مخاطراً بحياته ليرى أصدقاءه والفتاة التي يحبها، في الداخل المحتل. لكن أعمال المقاومة التي انخرط فيها، أدت إلى اعتقاله وسجنه من قبل شرطة الاحتلال.

 

وبعد استجوابه وتعرضه لكافة أشكال القهر والتعذيب، يعرض عليه ضابط إسرائيلي صفقةً للنجاة بنفسه مقابل تسليم أصدقائه ممن يشاركونه العمل النضالي.

 

حبكة الفيلم لا تتطرَّق للسياسةِ حصراً، بل تطرح العديد من التساؤلات الوجودية، وتنغمس في مفهوم الوطن والقضية. أنتَ كمتفرج، ستسأل نفسك مراراً أثناء مشاهدتك للفيلم: هل سيخون "عمر" أصدقاءه  وفلسطين ويتنكَّر لمن يحب؟ أم سيتظاهر بذلك من خلال التلاعب بمن أراد التلاعب به من ضباطٍ صهاينة؟

 

واجب

340 دعوة زفاف للتسليم باليد لكل ضيف! هكذا جرت العادة في الناصرة في الجليل المحتل، حيث يتكفَّل والد وأشقَّاء العروس بتوزيع البطاقات على الأهل والأصدقاء. في واجب، يعود "شادي" من إيطاليا حيث يعمل مهندساً معمارياً، لمساندة والده في هذه المهمة المتعبة قبيل زفاف شقيقته الصغرى "أمل".

 

لا يتناغم "شادي" مع والده بتاتاً، حيث اعتاد الأول العيش في أوروبا، وهو ينظر الآن بغضب لمدينته الناصرة، وما تشهده من تعايش قسري مع المستوطنين الذين يفرضون وجودهم الثقيل على المدينة.

 

أمّا "أبو شادي" العاشق لوطنه، والذي لم يغادره أبداً، فليس لديه خيار آخر سوى التكيف مع الاحتلال. بينما يرفض ابنه جملةً وتفصيلاً، تصديق ما جرى لمسقط رأسه، من انخراطٍ بين ساكني المدينة، من وجهةِ نظره. واجب يحكي عن الحياة في الناصرة، عن طقوس الفرح والزفاف، وكذلك مآسي الناس، بلمسةٍ من الفكاهة السوداء. كما يبين العلاقة ما بين الأب وابنه، والتي جسدها بإتقان "محمد بكري" و"صالح بكري"، الأب والابن في الفيلم والحقيقة أيضاً.

 

بين الجنة والأرض

يحكي الفيلم عن زوجين يعيشان في الضفة الغربية، يتخذان قرار الطلاق بكل هدوءٍ ووفاق. وبينما يُصر الزوجان على تحدي عقبات الانفصال، يتطرَّق الفيلم إلى معضلةٍ أخرى، وهي صعوبة إتمام إجراءات الطلاق تحت قيود الاحتلال.

 

لكي يكمل الزوجان إجراءات الطلاق، يتوجب عليهما الذهاب من الضفة الغربية إلى الناصرة في الداخل المحتل. ليكتشف الزوج، وفي خضم الإجراءات الإسرائيلية المرهِقة، أن له أخاً من أبيه لم يعرف عنه شيئاً طيلة هذه السنوات، ليخوضا معاً رحلة البحث عنه.

 

مخرجة الفيلم "نجوى النجار" أكدت أن الفيلم مستوحى من أحداثٍ حقيقية. إذ يحكي عن زوجين يتعرفان على نفسيهما وعلى بعضهما البعض من جديد أثناء رحلة البحث في ماضي والد الزوج، وأثناء انتظار مصير زواجهما المفضي إلى الطلاق.  

 

غزة مون آمور

غالباً ما تحجب الحروب عن أعيننا قصص الحب التي تغذي الأرواح في المناطق المنكوبة. هنا، في غزة مدينة الحرب والفقر، والانقطاع المتكرر للكهرباء، مدينة الأمطار التي تنهمر بقسوة على البيوت والأسواق، يعيش الصياد الستيني الأعزب "عيسى" قصة حب، مع امرأة، تعمل خياطة في أحد المحال التجارية.

 

غزة، تعودُ للسينما بمظهرٍ مغاير تماماً، حيث تغدو مسرحاً للحب والشعر، بعد النجاةِ مراراً من الموت المحتم. تماماً كما هو الحال مع رائعة المخرج الفرنسي آلان رينيه وفيلمه هيروشيما مون آمور. والذي كان كقصيدةٍ طويلة مشبعة بالحب، في مدينةٍ موحشة دمرت الحروب كيانها.

 

الهدية

فيلم قصير مدته 24 دقيقة، يحكي عن ذكرى زواج "يوسف"، حيث يقرر الذهاب مع ابنته "ياسمين" إلى الضفة الغربية لشراء هدية لزوجته. لكن التنقل في فلسطين المحتلة، ليس رفاهية بوجود المحتل والحواجز. حيث يعبِّر الفيلم عن الحياة اليومية لآلاف الفلسطينيين الذين أجبروا على المرور عبر عدة حواجز على الطرق التي أقامها الاحتلال على أراضيهم.

 

يعبر الأب "يوسف" أحد الحواجز فيتعرض للإذلال أمام ابنته ويجبر على الانحناء والانصياع إلى سخافة جنود الاحتلال، فما المصير الذي ينتظره؟

 

في مقابلة مع سكاي نيوز عندما تم ترشيح الفيلم لجائزة الأوسكار، أكدت المخرجة "فرح نابلسي" أن الفيلم يحكي عن إعاقة حرية التنقل في فلسطين من خلال قصة بسيطة للغاية. وتستطرد قائلة: مع جائحة كورونا، رأينا كم عانينا من تقييدٍ لحرية الحركة وكانت جميع تحركاتنا تحت السيطرة. لكننا نعيش في هذا الوضع لفترة محددة وحفاظاً على صحتنا. وتابعت: أما الفلسطينيون، فهم يعيشون هذا الوضع منذ سنوات طويلة وفي ظروف غير إنسانية. وحقيقة أنها رأت هذا الوضع القاسي والمهين بأم عينيها كان مصدر إلهام بالنسبة لها لإحياء الفيلم.

 

3000 ليلة

3000 ليلة هي الفترة التي ستعتقل فيها "ليال"، المعلمة الفلسطينية الشابة، في سجن إسرائيلي في نابلس، وذلك بعد اتهامها بالمشاركة في عملية نضالية لم تكن جزءاً منها أساساً. تكتشف "ليال" بعد وقت قصير من مكوثها في السجن أنها حامل. وهنا تجد نفسها تواجه ضغطاً مزدوجاً: أن تحتفظ بطفلها وتصبح أماً في السجن، وأن تكافح ضد الظلم الذي تعرضت له كامرأة فلسطينية في سجون الاحتلال.

 

 تكمن إحدى نقاط القوة في الفيلم حسب مخرجته الفلسطينية "مي مصري" في الشخصيات الأنثوية فهو فيلم نسوي بامتياز، يعطي فكرةً مفصَّلة عن كفاح المرأة والحروب التي تخوضها في سبيل أن تحيا بكرامة. في حين أن النساء لم يغبن يوماً عن ساحة المقاومة، إلا أنه غالباً ما يتم اختزال دور المرأة الفلسطينية كسيدة ليس بيدها حيلة، سوى أن تنتظر ابنها أو زوجها. لكن هنا في 3000 ليلة، جاء الفيلم ليذكرنا أن النساء الفلسطينيات أكثر انخراطاً من أي وقت مضى بالكفاح ضد الاستعمار، وأنهن دائماً ما يكنَّ في صفوف.

 

سينما فلسطين تتنفس أملاً ومقاومة

 

العناء يولِّد الأمل بالنسبة للشعب الفلسطيني، هذا ما تخبرنا إياه سينما فلسطين. إذ يؤكد المخرجون بأفلامهم على وجود شعب وثقافة غير معترف بهما، ولهما كامل الأحقية بالصيت والاشتهار. وذلك بعد أن لاقت السينما الفلسطينية نوعاً من التعتيم، وغياباً للتمويل الفلسطيني، مع إصرار المخرجين على تجنب السير مع الاحتلال جنباً إلى جنب، في فنٍ واحد. في فلسطين، يستخدم المخرج الكاميرا كسلاح، فيقاوم بشراسة، ولا يقاتل غطرسة المحتل فحسب، بل أيضاً القدر والظروف المعيشية الشاقة، وكل المعيقات التي تحول دون العيش بسكينة. تتنفس السينما الفلسطينية بعد ان اختنقت لسنواتٍ طويلة، ويصدق الكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله حينما قال: كل ما حولنا هنا, يريدنا أن نعيش على الفتافيت, فتافيت الأمل, الوطن, وفتافيت الذكريات. لكن بالنهاية، ألفت فلسطين سبيلها إلى المهرجانات السينمائية العالمية، رغماً عن سكين الاحتلال الحادة.