‘‘سينما نوفو‘‘ تحضر بأعمال مختلفة في ‘‘ليالي الفيلم البرازيلي‘‘

مشهد من فيلم " المهرج "- (ارشيفية)
مشهد من فيلم " المهرج "- (ارشيفية)

إسراء الردايدة

عمان- في ليالي الفيلم البرازيلي الذي تنظمه مؤسسة عبد الحميد شومان، ثلاثة عروض متنوعة لكل منها طريقته الخاصة التي تعكس الحياة في البرازيل باختلاف طبقاتها الاجتماعية، لكن جوهرها هو الصراع من أجل لقمة العيش وسط التغييرات التي طرأت عليها اقتصاديا واجتماعيا.اضافة اعلان
هذه الأفلام التي تختلف في نوعيتها بين كوميدي ودرامي وواقعي، تنتمي لمدارس مختلفة بين كلاسيكية وحديثة، أنتجت على مراحل مختلفة، وأخذت على عاتقها الغوص في عمق الحياة اليومية، جاعلة من شخصياتها واجهة تحكي قصصها.
هذه الفعالية تقام بالتعاون مع السفارة البرازيلية في عمان، في سينما الرينبو، وهي لا تناسب الأطفال عموما، بسبب طبيعة محتواها وقضاياها، وتحمل جماليات بين عالية ومتوسطة، لكنها والأهم من كل هذا، تقدم لتجربة ممتعة في ثقافة السينما اللاتينية.
ويحكي فيلم المخرجة هيلينا سولبرغ "حياة مانينا"، ما تعايشه مراهقة في الـ17 من عمرها في القرن التاسع عشر، في محيط عائلة، من خلال مذكرات امراة، تلتقط هشاشة الحياة الأسرية بقوامها الجميل والمؤلم في الوقت نفسه.
وهذا الفيلم إنتاج حديث في العام 2016، يستعرض أحداثا يومية في حياة عائلة من الطبقة المتوسطة في بوغوتا، وسط ما تمر به مراهقة في هذه الأسرة والتناقضات التي تمر بها في مرحلة نضوجها، والعواطف التي تمر بها وسط توتر في محيط العائلة.
ومن فيلم درامي إلى فيلم كوميدي "المهرج" لمخرجه سيلتون ميبو، وهو يغوص في عمق الريف البرازيلي، مستعرضا قصة الأب فالديمار وابنه بينجامين المهرجين في سيرك؛ إذ لا مكان لأي وسيلة ترفيه من سينما أو مسرح، ليغدو السيرك هو المصدر الرئيسي، وكيف يتركون أثرا في الناس، لكن الفيلم نفسه يعكس أيضا حال الريف في سبعينيات القرن الماضي، وتحولات طموح بينجامين لحياة مستقرة واكتشاف شخصيته.
ويقدم فيلم "المهرج" الذي أنتج العام 2011، طبيعة الحياة الاجتماعية آنذاك، ومفهوم النكتة البرازيلية التي تدور في خطط تهريجية.
وهو مزيج من مواضيع فيدريكو فيلليني وجيم جارموش، لكنه أكثر سخرية من الاثنين، في حضور للفردية بينما الشخصيات الثانوية مثقلة.
أما فيلم "إرادة كلب"، للمخرج غويل أرايس، فيرصد التغيرات في المجتمع البرازيلي في العقدين الأخيرين، في أحداث تقع في شمال شرق البرازيل، وهي قصة لصديقين مختلفين في طباعهما.
وفيه يحضر استعراض للطبقات الاجتماعية باختلافها، بدون تغييب للصراع الطبقي بين الغني والفقير، وسط النضال اليومي للقمة الخبز، وبالطبع للفكاهة جانب فيه.
وينتقد الفيلم التناقض بين المفاهيم الدينية والحياتية في السينما الكاثوليكية، والخرافات التي تشكل تقاليد البسطاء ومعتقداتهم؛ حيث تحضر لقطات بالأبيض والأسود في أجواء واقعية، جعلت من الكوميديا في مواقف عديدة طريقة للتعبير عن حقائق الحياة البرازيلية الريفية في أجواء السينما الكلاسيكية لها.
والسينما البرازيلية ذات تاريخ منذ الحرب العالمية الأولى؛ حيث كان أهم مخرج برازيلي هومبيرتوا ماورا، الذي كان يفضل أفلاما مثل  هومبيرتو ماور King Vidor وHenry King. وكان مولعا بالتقنية وبالالكترونيات، كما أنه في الوقت نفسه محافظ ومتعلق بالعالم القروي والقبلي المهدد بالتحضر المتسارع.
ومزج في أفلامه تأثيرات مقتبسة من السينما الأوروبية، وأهم أعماله فيلم Ganga Bruta في العام 1933، ويمزج بين الفيلم الصامت والمتكلم، ومع نهاية عهد الأفلام الصامتة وسيطرة هوليوود على السوق المحلية، قام هنغاريين كانا يقيمان في البرازيل وهما؛ ادا البيرتو كيمين ورودولف ريكس لاستغ بتقديم فيلم وثائقيSao Paulo, A Symphonia da Metropole في العام 1929، واعتبر من أهم الأفلام الوثائقية الصامتة حتى اليوم.
ومع ثورة الأفلام الناطقة، تحولت السينما في البرازيل إبان ازدهار القومية الثقافية والعصر الذهبي للحركة الشَّعبوية التي جسدها جيتوليو فارجاس؛ حيث اشتهرت الكوميديا الموسيقية مستعينة بألوان الكرنفالات وارتفع منسوب الإنتاجات المحلية، محققة نجاحا لجمهور تعاطف وعشق السينما، وتقدمت حركة الكوميديا ومن أبرز روادها الكوميديين غراند اوثيلو واوسكاريتو، إلا أنها لاقت ازدراء من قبل نخبة في المجتمع، وبخاصة أن هذه الأعمال كانت هزلية وتسخر من التأرجح البرازيلي بين الولايات المتحدة وأوروبا، وبين الثقافة الجماعية والشعبية الجديدة والتقليدية.
وبعد الحرب العالمية الثانية، كانت أوروبا تترواح بين السينما الكلاسيكية والتجديد، وقدمت استوديوهات في البرازيل من هوليوود مثل فيرا كروز في العام 1949 مبادرة لتيارات سينمائية متأثرة من ايطاليا والبرازيل في سان باولو.
وكان التحدي آنذاك يتمثل بنقل ما يدور في إيطاليا بين حركة السينما الواقعية التي تطغى على النقاشات في نوادي السينما والمجلات وتأثرها بالشيوعية والكاثوليكية التي قدمها المخرج روبيرتو سانتوس ممثلا الجيل الجديد، مقابل المخرج البرتو كافالكانتي الذي يعد المؤسس الأساسي والحقيقي لما سمي خلال السبعينيات "سينما نوفو"؛ أي السينما البرازيلية الجديدة، وعرف خلال فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية إلى جانب الإسباني بونيال، من أكثر السينمائيين الذين فهموا مبدأ البداوة في فن السينما.
ويتميز كافالكانتي بكونه الطفل النابغة الذي يقبل لأول مرة بأن يعمل في بلده بعد مشواره الفني الذي بدأه بفرنسا، وواصله في بريطانيا العظمى بإبداع وانتقائية صرفة، وعلى الرغم من النجاحات المحلية أو حتى الدولية، أفلست شركة "فيرا كروز" خلال خمس سنوات، متأثرة بالواقع المر للاقتصاد السينمائي.
ثم تتالت بعد ذلك السينما الشابة والموجات الجديدة في جميع القارات؛ حيث خلقت حوارا غير مسبوق بين الفنانين من مختلف البلدان. فقد لاقى المثلث عبر الأطلسي صداه في اليابان؛ حيث أبهرت أفلامه رواد السينما البرازيليين الذين اغتنموا فرصة وجود جالية يابانية كبيرة بسان باولو.
وتتساوى "سينما نوفو" بالصياغات والأساليب التي تأتي من الولايات المتحدة وأوروبا أو من أماكن أخرى. وتضم هذه الحركة الجماعية شخصيات مختلفة مثل بيدرو دو اندررادي، ليون هيرزمان، راي جواري، واخرين.
وبين ما قبل وبعد "سينما نوفو" التي قلبت موازين الحداثة، أصبحت الأفلام البرازيلية أكثر حضورا في شباك التذاكر، وتتنافس مع نظيراتها الأميركية والعالمية، وكانت فترة قلت فيها أعداد دور السينما ودخول عهد الازدهار لقنوات التلفزة، وتغيرت التجربة للصور فباتت المليودراما والكوميديا الموسيقية "شانشدا" تمثل تجربة منفردة وهيمنت على الشاشة الصغيرة، على حساب السينما، وهي فترة امتدت بين 1969 وحتى 1980، فكان أوج الإنتاجات السينمائية في 1982 بواقع 103 أفلام طويلة، قبل أن يتراجع الوضع.
لكن في العام 1990، أقفل الرئيس آنذاك فرناندو كولور دي ميللو شركة القطاع العام "امبرافيلم" التي أنتجت قرابة مائة فيلم خلال الثمانينيات من القرن الماضي، مما جمد إنتاج السينما البرازيلية.
وبعد عامين عندما خرج دي ميللو، بدأت السينما البرازيلية تحاول التقاط أنفاسها من جديد، ويبدو أنها بدأت الآن تجني ثمار ذلك. بالطبع شهدت التسعينيات محاولات جيدة لاسيما "محطة برازيل" central do brasil لوالتر سالز العام 1998 وo quatrilho لفابيو باريتو قبله بعامين.
ولكن الانطلاقة الحقيقية بدأت مؤخراً لاسيما بعد برنامج الدعم الذي تؤمنه الوكالة الوطنية للسينما في البرازيل واهتمام جهات تلفزيونية واستديوات أميركية بإنتاج مشاريع برازيلية مع تخفيض الضرائب.