شاب نشمي يحفظ ماء وجه مُسنة

محمود الخطاطبة يقص علي صديق، حادثة، حصلت قبل أيام في أحد مراكز شركة الكهرباء المُساهمة العامة المحدودة في عمان، وتتمحور حول امرأة مُسنة يتجاوز عمرها الـ75 عاما، أتت إلى هذا المركز، تحمل فاتورة كهرباء أثقلت عاتقها، لا تستطيع دفع قيمتها التي تبلغ 105 دنانير. جلست تلك الأم، التي هي في خريف عمرها، على أحد المقاعد المُخصصة للجلوس، وكأنها تنظر إلى الحياة من ثُقب أبرة، لضيق اليد، فهي واقعة بين نارين، النار الأولى مرارة «الاستجداء» للحصول على مال لدفع قيمة تلك الفاتورة، لكن كبر عمرها، وحفظ ماء وجهها يقفان سدا منيعا لسلوك هذا الطريق، وبين النار الثانية والتي تتمثل بالخوف من أن تقدم شركة الكهرباء على «قطع» التيار الكهربائي على منزلها. لكن، وكما يقول المثل الشعبي «إن خليت بليت»، تواجد في تلك اللحظات شاب نشمي، قام بدفع قيمة الفاتورة كاملة، من غير أي نوع من الدعاية، وتسلل خارجا من مقر الشركة، حتى لا يترك غصة في قلب تلك المرأة المُسنة، وذلك بعد أن رفض موظفو الشركة مساعدتها، بحجة أن هناك تعليمات وقوانين!، رغم أنهم حاولوا. الانتماء والإخلاص للوطن، لم يكن في يوم من الأيام مشروطا، وذلك يعلمه الجميع، مؤسسات حكومية وأهلية وخاصة وأفراد، الذين يتوجب عليهم أن يتيقنوا بأن الشراكة المُجتمعية، وتقديم ما أمكن من دعم بغية المُساهمة في بناء المُجتمع، ومساعدة ومساندة أبنائه، ليست مشروطة أيضا. في معظم دول العالم، تلك ثقافة (الشراكة المُجتمعية) محمودة، لا بل مطلوبة في بلد كالأردن، فهي تسهم في تحقيق ترشيد كبير، ووفر مالي، يعود بالنفع على أبناء الوطن الذين يدفعون ما يقرب من الـ85 نوعا من الضريبة.. ولنا في مديرية الأمن العام، خير مثال على ذلك، فهي قدمت نحو 29 مبنى للمجتمعات المحلية، منها ما تم تحويله إلى مدرسة، وآخر لمركز للأبحاث الطبية، وثالث لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، في مختلف مناطق المملكة. ما يمنع من أن تساهم شركة الكهرباء في تنمية المُجتمع، أو يكون لها نصيب من «الشراكة المُجتمعية»، كأن تُخصص، على سبيل المثال، مبلغا من الأموال التي تتحصل عليها، وتجعلها في صندوق خاص، يتم من خلاله دفع فواتير كهرباء لعائلات مستورة، في مختلف محافظات وألوية المملكة.. وليس هُناك ما يمنع من أن يتم التنسيق بشأن ذلك مع صندوق المعونة الوطنية، من خلال عمل قرعة بين تلك الأسر الأشد فقرا، تكون مُرتبطة بالكثافة السكانية أو المناطق النائية أو على الأقل حظا. صحيح، بأن تنمية المجتمع المحلي، تقع على كاهل الدولة، بمختلف مؤسساتها، لكن يجب أن نصل إلى درجة نتيقن معها بأن المؤسسات والشركات الخاصة، يقع عليها أيضا مسؤولية المساهمة في بناء المجتمع المحلي ومساعدة أفراده، فذلك نوع من أنواع الانتماء. الشراكة المجتمعية، تساهم بطريقة أو أخرى في توطيد الأمن والطمأنينة، فضلا عن أنها تخلق مجتمعا قويا، وبالتالي تحقيق نهضة وطنية.. الشراكة المجتمعية خطوة سهلة التنفيذ، خصوصا أن المجتمع الأردني ما يزال متماسكا. المقال السابق للكاتب للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان