شباب السودان ما يزالون يناضلون من أجل الديمقراطية

سودانيون يطالبون بتطبيق الديمقراطية في بلدهم - (أرشيفية)
سودانيون يطالبون بتطبيق الديمقراطية في بلدهم - (أرشيفية)
تقرير خاص – (الإيكونوميست) 19/1/2023 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اللجان الشبابية التي أطاحت بالديكتاتور السوداني عمر البشير لم تستسلم.. وعلى الرغم من بعض المشكلات التي تخالط عملها، تظل الحركة قوة لا يستهان بها، طالما أن التحول الديمقراطي في السودان يبدو متوقفًا. وتقول ناشطة في اللجان: “نحن نبني دولة، ولن نتوقف حتى تتحقق أهدافنا”.

* * * الخرطوم، السودان – يمكن أن يبدو نشاط المجتمع المدني في إفريقيا في بعض الأحيان وكأنه تمرين في الشعارات الفارغة: “تعبئة القواعد الشعبية”، و”تمكين الشباب”، وما إلى ذلك. ولكن ليس في السودان، حيث ظهرت في السنوات الأخيرة الآلاف من “لجان المقاومة” في الأحياء في جميع أنحاء البلاد. وبعد أن تم تشكيلها في العام 2018 في أتون الثورة، بدأت هذه اللجان كشبكات مستقلة من المتظاهرين المحليين، تهدف إلى الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، الطاغية الذي اتهمته المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وإلى قيادة مسيرة البلاد نحو الديمقراطية. والآن، بعد أربع سنوات من نشوئها، لم تنته ثورتها بعد. في العام 2019، بعد خروج المتظاهرين إلى الشوارع لعدة أشهر، أعطى الجنرالات السودانيون السيد البشير دفعة أخيرة من فوق عرش السلطة واستولوا عليها. وقد تشبثوا بها منذ ذلك الحين. ومع ذلك، تقدم لجان المقاومة لمحة عن كيفية تمكن الناس العاديين من التجمع معًا للنضال من أجل الحرية. في أجزاء من السودان، يمكن العثور على اللجان في كل درجة إدارية وصولاً إلى القرية، ولكل منها قواعدها الخاصة التي تحكم شؤونها. ومع مرور الوقت أصبحت هذه اللجان أكثر تعقيدًا وتطورًا. وقد انتخبت العديد منها مسؤولين ميدانيين، وسياسيين، وموظفي اتصال وإعلام. وتقدم البعض منها الإسعافات والرعاية الطبية الأولية أو الرعاية التموينية مثل توزيع الوقود والطحين. لكن عملها الأساسي ما يزال تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات. منذ الانقلاب الأخير الذي قام به الجنرالات في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، عكفت اللجان إخراج الناس إلى الشوارع كل أسبوع تقريبًا. ويقول أحمد عصمت، المتحدث باسم إحدى اللجان في الخرطوم، العاصمة: “يتطلب الأمر بشكل أساسي رسالة على ’واتسآب‘ ويمكننا عندئذٍ إغلاق جميع الطرق في السودان”. واللجان متميزة من نواحٍ عديدة مقارنة بالحركات الشبابية الأخرى في المنطقة مثل “قيرو”، المنظمة العرقية القومية للشباب التي تنشط في في إثيوبيا المجاورة. فمن ناحية، ليس للجان السودانية رئيس واحد. ويتم اتخاذ القرارات فيها بشكل جماعي، من خلال عملية استشارة محلية مفصلة –حتى مع أنها تستغرق وقتًا طويلاً. وقد حظيت آراء الأعضاء من ولايات مهمشة مثل دارفور، حيث قامت مليشيا مدعومة من الحكومة بعمليات اغتصاب وارتكبت المذابح على مدى سنوات، بأهمية خاصة. ويقول السيد عصمت: “لديهم الكثير على المحك. إنهم أكثر أهمية”. كما أن الشابات أيضًا يبرزن في الحركة بشكل غير عادي. عندما يحين وقت الاحتجاج، عادة ما تكون هؤلاء هن اللواتي يطلقن الزغرودة –الصوت المتذبذب ذي الطبقة عالية الحدة الذي يجلب الناس إلى الشوارع. وتحتل الكثير منهن مراكز السلطة في اللجان. ساجدة المبارك، على سبيل المثال، هي طالبة طب تبلغ من العمر 23 عامًا فقط. لكنها باعتبارها متحدثة كبيرة باسم لجنة مؤثرة في الخرطوم، “سوف تكون رئيسي”، كما يلاحظ أحد النشطاء، وليد آدم البالغ من العمر 37 عامًا. في كانون الأول (ديسمبر)، أبرم جنرالات وقادة المعارضة المدنية اتفاقية جديدة تهدف إلى إجراء انتخابات وتشكيل حكومة مدنية بالكامل وانسحاب الجيش من السياسة والاقتصاد. وكجزء منها، ما تزال المحادثات جارية حول قضايا شائكة، مثل محاكمة بعض الجنرالات بتهمة الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. لكن اللجان تنظر إلى هذه العملية على أنها مجرد أحدث عملية ترقيع وحياكة للأمور كيفما اتفق، تقوم بها زمرة من كبار السن من الجنرالات والسياسيين في الخرطوم. وتقول السيدة المبارك: “لقد سئمنا وتعبنا من اجتماع الناس في غرف مغلقة وإصدار الأوامر إلينا”. ويشك الكثيرون، على سبيل المثال، في أن صفقة تمنح عفوًا تحت الطاولة لكبار الجنرالات قد تم التفاوض عليها بالفعل. لكن ما تراه اللجان، بدلاً من ذلك، هو رؤية للسياسة تقلب النموذج القديم المتمثل في “شخص واحد هو صاحب القرار”، كما يقول السيد آدم. وبدلاً من انتظار قيام الحرس القديم بإصدار دستور فيدرالي جديد، كانت اللجان تصوغ دستورها الخاص. ويشمل هذا الدستور مقترحات أساسية لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمات المتكررة في السودان. ويعتقد أعضاء مثل نبيل قاسم، من إحدى ضواحي الخرطوم، أنه يجب على اللجان استعادة السيطرة على السياسة الرسمية من خلال محاولة الفوز بمقاعد في هيئة تشريعية مستقبلية. وتشير خلود خير، المحللة في العاصمة، إلى أن “اللجان تتحول من كونها قوة تعبئة إلى منظمة سياسية علنية”. مع ذلك، يعتقد البعض أن اللجان كانت مجموعات واعدة تبيَّن أنها غير ناجحة. كانت الاحتجاجات في الشوارع ضد الاتفاق الذي تم التوصل إليه في كانون الأول (ديسمبر) أكثر صمتًا من ذي قبل. والشقوق الداخلية آخذة في الاتساع. ويجادل بعض الأعضاء في اللجان بأنه يجب منح الصفقة التي يتم بحثها الآن فرصة. وقد رفضت عدة لجان التوقيع على مشروع ميثاق دستوري نُشر في تشرين الأول، (أكتوبر)، واشتكت من أنه تم وضعه من دون قدر كافٍ من التشاور. ولكن، حتى مع ذلك، تظل الحركة قوة لا يستهان بها، طالما أن التحول الديمقراطي في السودان يبدو متوقفًا. “نحن نبني دولة”، تقول السيدة المبارك. “ولن نتوقف حتى تتحقق أهدافنا”. *نشر هذا التقرير تحت عنوان: How young Sudanese are still fighting for democracy

اقرأ المزيد : 

اضافة اعلان