شباب يسطرون قصص نجاح ويكسرون "ثقافة العيب" بمسارات مهنية

العديد من الشباب تخلوا عن فكرة العمل بوظائف تناسب تخصصاتهم الجامعية وتوجهوا للعمل بمهن أخرى - (ارشيفية)
العديد من الشباب تخلوا عن فكرة العمل بوظائف تناسب تخصصاتهم الجامعية وتوجهوا للعمل بمهن أخرى - (ارشيفية)
تغريد السعايدة عمان- بين أكواب القهوة ورائحتها الزكية، يبدأ الشاب الجامعي معتز عمله الذي بدأه منذ ما يقارب الثلاثة أعوام، متوكلا على الله في كل صباح بأن يكون باب الرزق لديه وافرا، وهو الذي جلس عاماً في البيت ينتظر فرصة عمل مناسبة له، إلى أن قرر أن يخرج من “قوقعة العيب” ويساعد على إعالة عائلته من خلال “كشك قهوة صغير على رصيف أحد الشوارع”. معتز لم يكن يتوقع يوماً أن يعمل في هذا المجال، على حد تعبيره، ولكن الظروف المعيشية ومرض والدته أجبراه على أن يكون شخصا فعالا وليس عالة على أحد، حتى وإن كان في غير تخصصه الجامعي وهو الاقتصاد، ليقرر العمل بحب وحماس متناسياً تماماً “العيب وثقافته السلبية”. والدة معتز تشعر بالفخر لكونه أصبح شخصاً طموحاً، لا يقف حلمه عند “كشك القهوة”؛ إذ تقدم للعديد من الدورات في مجال المحاسبة فيما بعد، علها تكون سبباً في حصوله على فرصة عمل جديدة ومناسبة وبدخل مادي أكبر. لكن عمله الحالي لم يمنعه من التطلع بكل إيجابية للقادم، وذلك ساعده على أن يقدم حاليا أفضل ما لديه في عمله، لينال رضا الزبائن، وبالتالي زيادة بحجم دخله المادي. وعلى الرغم من أن العمل في “كشك القهوة” لا يعد منتظما، إلا أنه “بسد الحاجة”، على حد تعبير والدة معتز، ولكي لا يكون ضمن آلاف العاطلين عن العمل الذين تعد نسبتهم 19.1 %، بحسب دائرة الإحصاءات العامة خلال الربع الثالث من العام الحالي، بارتفاع مقداره 0.5 % عن الربع الثالث من العام الماضي. وبلغ معدل نسبة الذكور فيها خلال الربع الثالث من العام الحالي (1 %) مقابل (27.5 %) للإناث؛ حيث ارتفع للذكور بمقدار 0.8 نقطة مئوية وارتفع للإناث بمقدار 0.4 نقطة مئوية مقارنة بالربع الثالث من العام الماضي. الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، طالت الكثير من المجتمعات في ظل “واقع اقتصادي صعب”، ما دفع بالكثير من الشباب إلى أن يكسروا تلك النظرة التقليدية في ثقافة العيب، والدخول إلى عالم العمل الذي لا يشبه ذلك الذي رسمه لهم المجتمع، بل إن كثيرين حاولوا خلق صورة نمطية إيجابية جديدة لعملهم قد تخالف “تقاليد بيتهم وبيئتهم المحيطة”، ما أسهم في إفراز عشرات الوظائف والأعمال التي توجه لها الشباب بعيدا عن الخجل. ويؤكد الاستشاري والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي أثرت على حياة الأفراد وما رافقها من ارتفاع في معدل البطالة والإشباع في التخصصات التي تحتاجها الوظائف الحكومية، وعدم التركيز على القضايا المتعلقة بالمهن؛ أسهمت في أن لا يكون هناك مفر من العمل في الوظائف الأخرى وتغيير طريقة التعامل والتفكير لدى الكثير من الشباب الذين باتوا يعملون في وظائف لم يعتادوا عليها في مجتمعاتهم، وكسر ثقافة العيب في هذا الجانب. ويعتقد النوايسة أن هذه ظاهرة صحية وتتناسب مع طبيعة تلك التغيرات، لذا فإن هناك العديد من الجهات التي من شأنها أن تسهم في كسر جميع تلك القواعد غير المتلائمة مع الوضع الحالي؛ وأبرزها “الأسرة”، التي لديها القدرة على تربية الأبناء على حب العمل، والنزاهة والأمانة والتواضع، وذلك له دور في خلق فكر يتعلق بثقافة التعامل مع الواقع ويؤدي دوره في المجتمع بعمل شريف والحصول على مردود مادي مناسب لما يقوم به من عمل. إلى ذلك، أشار النوايسة كذلك إلى أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به المدرسة في تحفيز الطلبة على كسر تلك الثقافة التي تحدد العمل في وظائف محددة، وذلك من خلال تبيان قيمة العمل والعمال في الوظائف كافة عن طريق المناهج المدرسية كما في مادتي التربية المهنية والثقافة المالية، على سبيل المثال. إلى ذلك، يبين النوايسة أهمية التركيز على القيم في العمل وثقافته، وإتقانه عبر “مناهج مدرسية تعكس ثقافة المجتمع وتكسر القواعد بما يتعلق بالعمل بمختلف أشكاله”؛ إذ تشير الإحصائيات كذلك إلى أن ما نسبته 90 % من طلاب المدارس يتخصصون بالمسار الأكاديمي والباقي بالمسار المهني الذي يستخدم أيضا للتحول الى الأكاديمية بعد اجتياز الثانوية العامة، وهذا يعكس فعلياً الحاجة إلى العمل على تغيير التفكير النمطي في هذا الجانب. وفي الوقت ذاته، يعتقد النوايسة أن هناك دورا كبيرا ومؤثرا للإعلام على الشباب والأجيال المتلاحقة في كسر ثقافة العيب، وتغيير ثقافة الناس تجاه قبول العمل من خلال الاطلاع على التجارب الأخرى؛ حيث أصبح الإعلام يقدم نماذج لشباب لديهم الكثير من الإبداع ويعملون في مهن مختلفة على الرغم من حصولهم على شهادات جامعية مختلفة؛ إذ إن الإعلام بوسائله المتعددة عليه أن يعرض دائماً تلك النماذج حتى تصبح هناك ثقافة سائدة في أنه “لا عيب في العمل الشريف الذي يمكن أن يضيف لها الفرد لمسته وبطريقته التي يحب”. مجدي، وهو شاب في العشرين من عمره، اضطر للبحث عن فرصة عمل مناسبة له، ويقول إنه رفض في البداية العمل في إحدى المؤسسات الحكومية تحت مسمى “عامل نظافة”، وبقي لمدة تزيد على عام وهو يبحث عن وظيفة أفضل، إلى أن توصل في النهاية إلى أن العمل المهني في أحد معامل الحديد كان فرصة كبيرة له ليعمل وينتج ويساعد نفسه وعائلته، ويتعلم مهنة جديدة، ليكون الأول ضمن أفراد أسرته الممتدة الذي يعمل في هذا المجال. في البداية، واجه ماجد صعوبة في عمله، من خلال بعض التعليقات التي تلقاها من أصدقائه وإقاربه، بأن هذا العمل لا يناسبه ولا يناسب عائلته، وعليه البحث عن مسار آخر، إلا أنه أصر على العمل بعد أن عانى من “شبح البطالة والخجل من أن يطلب مصروفه من والديه”، فكان الأفضل أن يبقى في عمله “حداد” علّ الظروف تتحسن فيما بعد. اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، يرى أن الأمور التي يجب التركيز عليها في ظل هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية هي “استثمار قدرات الشباب في أي مجال يستطيع العمل به حتى وإن كان ذلك بعيداً عن التخصص الدراسي فربما هواية قد تكون سبباً في الإبداع والعمل والرزق”، كما أنها طريق جديد للشباب الذي كسر ثقافة العيب لديه بأن يتعلم مهارات جديدة والاحتكاك بالمجتمع الخارجي المهني والاطلاع على تجارب الآخرين وقصص النجاح والإلهام. كما يعتقد خزاعي أن الأهل عليهم أن يدفعوا بأبنائهم لخوض أي تجربة مهنية جديدة حتى وإن كانت في مجال التطوع، الذي قد يسهم في تعرفهم على طريق عمل جديد من خلال الإبداع الذي يقدمونه في عملهم الخيري، ويتم استقطابهم من قبل مؤسسات وشركات على اختلافها. وينصح خزاعي الشباب الذين ما يزالون بانتظار “العمل المكتبي” بالاندماج في المجتمع الإنتاجي والقبول به لحين توفر البديل الأفضل، والابتعاد عن التفكير السلبي أو الاتكال على الآخرين، وهذا أمر خطير جداً على المجتمع، بل ينبغي النظر إلى قصص النجاح التي قام بها شباب في المرحلة العمرية ذاتها واستطاعوا إثبات أنفسهم.اضافة اعلان