شبح التقسيم يحوم حول سورية

قبل عام تقريباً، وبعد الانتصارات العسكرية للنظام السوري وحلفائه في سورية والتي تلاها اجتماعات أستانة وسوتشي، ساد نوع من التفاؤل الحذر بقرب التوصل إلى حل سياسي ابتداءً مع إنشاء مناطق خفض التصعيد، وانتهاءً بدستور جديد كان يشمل الجميع بأنه سيكون نظاماً فدرالياً، ولكننا اليوم أبعد ما نكون عن ذلك.اضافة اعلان
اليوم المشهد السوري يشهد تصعيداً عسكرياً وسياسياً غير مسبوق، وبخاصة بعد الضربة الثلاثية لسورية بحجة استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في دوما، ودخول تركيا على خط المعركة واحتلال منطقة عفرين. الضربة العسكرية الغربية لسورية كانت رمزية من الناحية العسكرية، ولكنها من الناحية السياسية قد تؤذن ببداية مرحلة جديدة من الصراع في سورية عنوانها كبح جماح النفوذ الروسي، وتحجيم الدور الإيراني وحلفائه، وعدم السماح لهما بالانفراد بالحل السياسي للأزمة السورية.
في الأيام الماضية ظهرت بعض المؤشرات المهمة التي قد تكون بداية مرحلة جديدة عنوانها تقسيم سورية بصيغة أو بأخرى:
أول هذه المؤشرات هي الخطة الأميركية بإرسال قوات عسكرية عربية لتكمل وليس لتحل مكان القوات الأميركية في الرقة والتنف والمناطق الكردية. ثانياً، تصريح نائب وزير الخارجية الروسي الذي أشار إلى أنه لا توجد ضمانات لبقاء سورية موحدة. وثالث هذه المؤشرات تصريح أردوغان بأن هناك مخططاً غربياً للتقسيم في المنطقة، واستهداف تركيا بذلك حسب رأيه، وأخيراً، إعلان بعض القوى السياسية في جنوب سورية برغبتهم بإقامة حكم ذاتي  بالمنطقة، واستعدادهم العسكري للمجابهة مع النظام. كل المؤشرات تدل على أن هناك تحولاً استراتيجياً وتحريكاً لملف مستقبل سورية سيما وأن المسار السياسي شبه متعطل في هذه المرحلة مع بدء التسخين للدفع باتجاه من هذا القبيل.
بصرف النظر عن  تصريح ترامب برغبته في الانسحاب من سورية، فكل المؤشرات تدل بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من هناك، لا بل إن هناك مؤشرات على أن أميركا لن تسمح لتركيا بتنفيذ مخططها الرامي للسيطرة على المناطق الكردية المحاذية لها.
المخطط ليس بعيداً  عن رغبة الولايات المتحدة والدول الغربية وبعض الدول العربية بتحجيم الدور والوجود الإيراني في سورية مع دخول إسرائيل على الخط. كذلك، فهي لن تقبل بهيمنة روسية على كل  سورية وإن كانت تقبل بوجود دور مهم لها في حل الأزمة السورية.
معالم التقسيم تتحدث عن إقامة كيان كردي بقيادة قوات سورية الديموقراطية في المناطق التي تسيطر عليها. وتشمل المنطقة الثانية إقامة شكل من أشكال الكيان أو الحكم الذاتي في منطقة شمال شرق سورية، أما الكيان الثالث، فهو في الجنوب الغربي لسورية، وإقامة حكم ذاتي في هذه المنطقة بقيادة الجيش السوري الحر وجبهة النصرة، بالإضافة لسيطرة تركيا على أجزاء مهمة من سورية وإخضاعها لسيطرتها.
هذا السيناريو ليس مؤكداً، ولكن هناك مؤشرات مثيرة للقلق تدعم باتجاهه، ويمكن أن يتم ذلك إما من خلال تكريس الأمر الواقع الحالي عسكرياً أو من خلال صفقة سياسية دولية حول سورية ومناطق أخرى.
مستقبل سورية لم يعد بيد السوريين سواء كنا نتحدث عن النظام أم المعارضة بل بيد القوى الإقليمية والدولية والتي قد تكون مصلحة بعضها في تفكيك سورية، وإقامة دويلات على أسس مذهبية وعرقية.