"شتاء طنطورة".. فعاليات ثقافية تبرز جمالية محافظة العلا

figuur-i
figuur-i

منى أبوحمور

العلا- حضارات متعاقبة تكشف عنها جبال العلا الشامخة التي تكتنز بين صخورها نقوشا تروي إرثا تاريخيا منذ مئات آلاف السنين يبين للزائر عبق المكان وروعته، وبين الإرث النبطي والحضارة يطل موسم "شتاء طنطورة" الذي بدأ من 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي ويستمر حتى 7 آذار (مارس) المقبل، ليلقي الضوء على الكنز التاريخي، ويقدم العلا العاصمة الثانية للأنباط التي تروي تعاقب الحضارات منذ آلاف السنين.
العلا: المدينة المتحف
في الشمال الغربي من المملكة العربية السعودية، وعلى بعد 300 كيلومتر من المدينة المنورة، تقع مدينة العلا التي تحتضن بين تضاريسها أقدم الحضارات الخالدة، والمناظر الطبيعية التي تأسر من يراها.
وفي طريقة مختلفة تروج المملكة العربية السعودية آثار العلا من خلال الثقافة والفن؛ إذ يهدف مهرجان "شتاء طنطورة" بفعالياته الفنية والثقافية والرياضية التي تقام على مناطق أثرية متنوعة تكشف عن حضارة العلا، إلى الترويج لصحراء العلا.
فتحت منطقة العلا صفحات التاريخ من جديد لتبهر زوارها بما تمتلك المنطقة من قيمتين تاريخية وأثرية؛ حيث سعت الهيئة الملكية للعلا، بحسب وكالة الأنباء السعودية "واس"، لتجسيد قيم التنوع وإبرازها من خلال المهرجان العالمي "شتاء طنطورة" الذي يسلط الضوء على الفنون والثقافة والتاريخ والتراث في محافظة العلا.
كما مكنت، عبر فعالياتها، السياح والزوار من مختلف دول العالم من الاستمتاع بالعروض الغنية والثقافة والمغامرات.

الموسيقار العالمي ياني في حفل شتاء طنطورة 2020 - (من المصدر)
اضافة اعلان


وبين التنظيم المتميز والحضور اللافت للمهرجان، قدم "شتاء طنطورة"، من خلال مسرح "مرايا"، عددا كبيرا من نجوم الفن العربي والغربي، الذين عانقوا بكلماتهم وألحانهم روح المدينة النبطية التي امتزجت بسحر ليل الصحراء.
وجلبت الهيئة لمحافظة العلا عدداً من المطاعم، والنزل العالمية بين أوديتها، وجبالها، صممت وفق أحدث المقاييس الهندسية مع الحفاظ على أدق تفاصيل الطبيعة الخلابة، إلى جانب تطوير وتدريب أبناء وبنات المحافظة على القيام بمهام الخدمات والإرشاد السياحي، شملت الطبخ والفندقة والسياحة في أكبر وأهم المعاهد العالمية عبر برامج ابتعاث بادرت بها الهيئة.
"العلا" المدينة القديمة وتراث يعود لآلاف السنين
وفي المدينة القديمة، هناك البيوت القديمة التي سكنها سكان العلا الأصليون منذ آلاف السنين، تروب بحجارتها القديمة الصفراء وشوارعها التي تعج بكثير من قصص وحكايا أهل تلك المنطقة وأسلوب حياتهم والعادات والتقاليد التي كانت سائدة في تلك الفترة؛ حيث جسدت تلك الفترة في أسواق البلدة القديمة.
وتناول كل بيت من بيوت السوق القديم حرفة ومهنة تميز بهما أهل العلا ابتداء من صناعة القش اليدوي، مرورا بصناعة الصابون بأشكاله كافة وروائحه المختلفة التي تعبق بتاريخ المكان وحضارته، وانتهاء بصناعة التمور والقهوة والحلوى العربية الممزوجة بالهيل والزعفران والشوفان.
مسارات "العلا" في "شتاء طنطورة"
إلى جانب المغامرة في أحضان جبال العلا الشاهقة والمشي في الطبيعة التي تسمح بالتعرف إلى التراث الطبيعي والجيولوجي للعلا، نظمت الهيئة الملكية مسارات سياحية لـ"العلا" على هامش مهرجان "شتاء طنطورة"، كان من أهمها مسار النقوش القديمة في تجربة تتواصل لثلاث ساعات تتضمن جولات السيارات رباعية الدفع، وركوب الإبل، والمشي في الطبيعة وزيارة النقوش الثمانية التي تروي تفاصيل حياة الأنباط قبل مئات آلاف السنينة ونمط حياتهم وتجارتهم وطريقة أكلهم.
إلى جانب ذلك، يقدم مسار النمر العربي تجربة لمدة ساعتين يتخللها مسير سهل في المشهد الطبيعي الاستثنائي للعلا للتعرف إلى تراثها الطبيعي والحيوانات والنباتات والتشكيلات الجيولوجية الموجودة فيها.

لوحة فنية للفنانة السعودية منال الضويان- (من المصدر)


وفي الحرة التي تقع على ارتفاع 1200 متر فوق مستوى سطح البحر، وهي تمثل معلما بارزا في العلا، مع إطلالات خلابة على المنطقة، يقوم خبراء مغامرات حبل الانزلاق بمساعدة المغامرين على خوض تجربتهم عبر الوادي المذهل نحو موقع الهبوط.
مسار "ازرع بذرة" يقوم من خلاله زوار المدينة بزيارة مزرعة العلا، للتجول بين أشجارها؛ حيث تجمع بين أشجار الفاكهة الصيفية والشتوية، التي تعج بأشجار المانجا المعمرة، ومختلف أنواع التمور التي تميزت بها المدينة عن غيرها، والحمضيات وورق العنب وأشجار الزيتون، وفي نهاية المسار يقوم الزائر بزراعة بذرة ويكتب اسمه عليها لتبقى ذكرى باسمه في محافظة العلا.
إلى ذلك، تتجه العلا إلى استقطاب أكثر من مليوني زائر بحلول العام 2035، عبر تطوير محافظة العلا لوجهة تراثية وثقافية وسياحية عالمية استثنائية، وتعزيز قدرة المطار على استقبال الرحلات الدولية المباشرة من مختلف الوجهات الإقليمية والدولية إليها.
ويقدم موسم "شتاء طنطورة" مجموعة كبيرة من التجارب المتنوعة التي تلبي احتياجات جميع الزوار، وتناسب جميع الأذواق، سواء للأفراد أو المجموعات أو العائلات، من مختلف الشرائح.
وتقام فعاليات "شتاء طنطورة" في عطلات نهاية الأسبوع؛ إذ يتسنى لضيوف الموسم الثاني هذا العام زيارة المواقع التاريخية والتراثية المذهلة بشكل حصري، وحضور العروض الموسيقية والفنية العالمية والاقتراب بشكل مثير من السحب في سماء العلا من خلال مناطيد الهواء أو الطائرات الكلاسيكية الصغيرة.
ياني ينطلق بموسيقاه الكلاسيكية من مدينة الأنباط
للمرة الثانية على التوالي، يمزج الموسيقار اليوناني ياني الموسيقى الكلاسيكية بروعة المناظر الطبيعية، على مسرح "مرايا" الذي دخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية، كأكبر مبنى صنع من المرايا، كونها تغطي جدرانه الخارجية كافة، بينما أضفت المرايا الموجودة جوا ساحرا على المكان، وقدم، على مدار نحو ساعتين، مجموعة من أعماله، التى نالت إعجاب الجمهور الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم.
وتفاعل جمهور طنطورة تفاعلا كبيرا مع الموسيقى المميزة التي عزفها ياني برفقة فرقته التي قدمت عرضا موسيقيا، تختلط المتعة به بالحرفية العالية التي سلبت عقول الحضور. وكان يانى قد شارك العام الماضي في النسخة الافتتاحية من مهرجان "شتاء طنطورة"، ليعود هذا العام ويحيي حفلا ضخما على مسرح "مرايا".
"صحراء X" معرض فني في قلب الصحراء
في معرض هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، يقدم معرض "صحراء X" الفني فصلا جديدا في تاريخ العلا الذي يعد واحة للفن والإبداع؛ حيث يشكل هذا المعرض مفترق طرق ثقافيا في العلا. ويجمع "صحراء X" الفنانين العالميين والإقليميين والسعوديين تحت منصة واحدة، لتقديم أعمال فنية في بيئة غنية بالجمال الطبيعي والحكايات التراثية.
ويعد أول حدث فني معاصر في هذه الفترة في تاريخ المنطقة العربية، والذي يتم تقديمه كمتحف مفتوح للأعمال الإبداعية، والتي تنسجم في جوهرها مع طبيعة الصحراء، ما يؤدي إلى حوار ثقافي مميز بين الثقافات المختلفة والحضارات، كما يقدم منبرا للفنانين البارزين والناشئين بإضافة إبداعاتهم الجديدة المستوحاة من التراث الثقافي للعلا؛ حيث يرتبط التراث والطبيعة بالفن ارتباطا وثيقا.
وكان للمرأة السعودية حظ وافر في المشاركة في هذا المعرض الاستثنائي؛ حيث شاركت الفنانة السعودية منال الضويان في عملها الفني الذي حمل اسم "يا ترى هل تراني؟"، من خلال بركة موحلة في صحراء المملكة العربية السعودية؛ حيث تقدم مجموعة من التراكيب الشبيهة بالبرك تم تصميمها لتدوم بضعة أشهر تتجمع في أخاديد صخور العلا، هذه البرك ليست حقيقية، وإنما تم تصنيعها من أنسجة ترامبولين ضخمة يمكن لمسها وتركيبها والقفز عليها.
كما شاركت الفنانة السعودية زهرة الغامدي في عملها الفني "وميض من الماضي"؛ حيث يضم العمل التركيبي حوالي 6000 تنكة تمر معدني قديمة بأحجام مختلفة، تم رصفها مسافة 80 مترا على شكل تضاريس منطقة العلا.
ويعد هذا العمل الفني بمثابة قصيدة تتغنى بالثروة الزراعية لمنطقة العلا ذات البساتين الغنية بأشجار النخيل.
كما شارك عدد كبير من الفنانين من الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا بأعمال فنية مميزة تناثرت بين أحضان الطبيعة الصحراوية تحتضنها جبال العلا العملاقة.
وكان "الصحراء X" قد انطلق في بدايته في منطقة وادي كوتشيلا جنوب كاليفورنيا كمعرض دوري يحاكي البيئة الطبيعية المحيطة، ويتخطى حدود القارات باستخدامه التجربة المميزة للبيئة الصحراوية كمنصة فنية.