شتيمة حزب الله والطريق الثالث

إنّ شتم حزب الله، والتسلح بالطائفية ضد طائفيته، هما علامات فشل عربي، وانجرار لمربع الأنظمة العربية الرافضة للإصلاح السياسي. ومن دون الانجرار للعبة الأسماء، فإنّ بعض أكثر وأشد الناس والكُتّاب شتماً وهجوماً على حزب الله، كان أشد الناس هجوماً على كل من ينتقد الحزب قبل عشرة أعوام من الآن. والمشكلة الحقيقية هي إصرار المثقف العربي على الانحياز لمعسكر يقاتل آخر دون القدرة على بلورة موقف ثالث، وبالتالي يصبح مُسخّراً في صفوف طرف، وشريكه، يقاتل الآخر، من دون أن يقدم بديلاً. اضافة اعلان
نحو العام 2005، كان حزب الله في أوج شعبيته، متسلحاً بانتصاره على الاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان، وطرده من هناك. وجاءت حرب العام 2006، رغم كل الدمار الذي حاق بلبنان، فرصة تقوي موقف الحزب. وكانت الأسئلة آنذاك: ما هو الدرب الذي سيختاره الحزب؟ هل سيتمكن من التأثير في خطاب طهران، وسياسات دمشق، ويفرض عليهما أجندات عمل مختلفة؟ هل سيطرح حزب الله، مستغلا رصيده الجماهيري، تصورات ثورية جديدة لمجتمع عربي مدني مختلف، يسمو على الطائفية، وغير ذلك؟
للأسف، لم يقم الحزب بما عليه. وتلقى خصومه، خصوصاً في لبنان، دعماً على أسس طائفية.
بقي حزب الله هو حزب الطائفة الشيعية في لبنان، وتحالفاته السياسية تحالفات براغماتية قائمة على حسابات ضيقة، من نوع التحالف مع خصم الأمس اللدود، الذي ذهب لواشنطن يطلب الدعم ضد الحزب ذاته (أي التحالف مع ميشال عون). وشيئاً فشيئاً، أعلن الحزب، جهاراً نهاراً وعلى رؤوس الأشهاد، أنّه يتبنى نظرية "الولي الفقيه". وهذه النظرية لا يجوز التساهل بشأنها، أو الانجرار لأطروحات من نوع أنّ هذا أمر فكري لا سياسي، وأنّ الانحياز لإيران أقل سوءا من الانحياز للأنظمة العربية المضادة (الإمبريالية). فالولي الفقيه مقره الآن طهران، وتبني النظرية، يعني تلقي التعليمات منه، وأن القرار النهائي له، بغض النظر عن المصالح الوطنية اللبنانية، العربية. والسياسة الطائفية، هي التي توضح كيف انحاز الحزب مع الحوثيين والمعارضة في البحرين، وساند القوى الحليفة للولايات المتحدة في العراق (ضد صدام حسين المنتمي للتيار القومي)، وساند الثورة ضد معمر القذافي (قومي/ دكتاتور آخر)، ورفض الثورة ضد دكتاتور آخر (من التيار الفكري ذاته لصدام ومعمر)، هو بشار حافظ الأسد.
في المقابل، تم دعم المعارضين لحزب الله، والنظام السوري، لأسباب منها السعي لضرب إيران. ولكن لأنّ من يدعمون هذه المعارضة، هم أيضاً كانوا ضد الثورات العربية عموماً، خصوصا في مصر، خوفاً من عدوى الثورات والإصلاح السياسي، وخوفا من الدولة المدنية، فإنهم لن يتبنوا أي فكر مدني أو ديمقراطي، بل سيستخدمون الطائفية. ومن هنا ليس غريبا أن يكون هناك دعم لأشخاص يَتَسمون بالجهادية، ويدّعون السلفية، ويمارسون العنف الطائفي، وليس غريباً أن نجد شخصا مثل الشيخ يوسف القرضاوي، ينقلب من صداقة حزب الله، إلى تسميته حزب الشيطان.
أصبح الأمر أن يرى كثيرون أن الدمار والجهاديين في سورية، يشكلان مؤامرة، وبالتالي يجري تناسي الماضي والحاضر الدمويين للنظام السوري، وتناسي البنية الطائفية لحزب الله، والامتداد الإيراني ذي الأهداف القومية الإيرانية والطائفية، وتناسي قومية موسكو وتنسيقها الإسرائيلي. في المقابل، فإنّ العجز أصلا عن استيعاب حزب الله، ومقاومته، ضمن منظومة عربية جديدة، تبعده عن طهران، والسعي لمواجهة إيران، دفع البعض للوقوع في براثن الشتم من دون تفكير، وإلى تأييد كل من يعادي حزب الله والنظام السوري، إلى أن استيقظ هؤلاء على دموية ووحشية "داعش" وتوسعيتها، وسقوط شرائح عربية وسورية كبيرة في براثن الحرب الطائفية، فبدأ التفكير ثانية، ولكن من دون قدرة على طرح طريق ثالث، أو خروج من الطائفية.
على المثقفين والناشطين العرب طرح تصور مدني جديد، يرفض بشار الأسد ودكتاتوريته، ويرفض طائفية حزب الله من دون طائفية مضادة، ومن دون نسيان إنجازه أمام الإسرائيليين (ومن دون أن يأسرهم هذا الانجاز)، ومن دون اعتبار هذه الأمور ثانوية يمكن تناسيها الآن، لحين كسب المعركة. وكذاك رفض سياسات الدول المحافظة التي تحالفت مع القوى "السلفية"، وتبتعد عن أي خطاب مدني ديمقراطي.