شجاعة سياسية في محلها وفضيحة دولية في وقتها

طوال عمرها فارسة في أي موقع حلّت، وأمام أي تحديات واجهت. إن الأستاذة ريما خلف شخصية نسائية ودولية نادرة، واجهت قطعاناً من الذئاب بقيادة الأمينين العامين الأخيرين للأمم المتحدة وعرابيهما لانحيازها إلى الحق والحقيقة، أو قل لمبادئ الأمم المتحدة وقيمها. وكذلك سيواجه الأمير زيد، رئيس مجلس حقوق الإنسان هذه الذئاب قريبا، فقد جاء في رسالة وجهها وزير الخارجية النفطي الأميركي إلى ثماني منظمات دولية تدافع عن حقوق الإنسان: "إن الولايات المتحدة ستنسحب من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ما لم تجرِ إصلاحات كبيرة داخله، وإن الولايات المتحدة ستواصل رفضها الشديد والمبدئي لأجندة المجلس المنحازة ضد إسرائيل".اضافة اعلان
لقد كانت ريما خلف شجاعة دائماً في اتخاذ القرار من مثل الاستقالة عندما يكون الموضوع منافياً لضميرها، فقد استقالت عندما كانت نائبة لرئيس الوزراء في الأردن في أواخر التسعينيات من القرن الماضي عندما اختلفت مع الرئيس لعدم اقتناعها بوجهة نظره وإصراره عليها. وها هي تستقيل اليوم من الأمم المتحدة لتمسكها بالتقرير الذي يدين إسرائيل بالعنصرية والابرتايد بدلاً من أن تسحبه وتبقى.
ويأتي بعد ذلك معلقون أفاضل فيقللون من قيمة الاستقالة بحجة انه لم يبق من عقدها في الأمم المتحدة سوى أسابيع. لهؤلاء الأفاضل نقول: إن قيمة الاستقالة الحالية تبقى ذات دلالة عظيمة حتى وان كان باقيا لعقدها يوم واحد لينتهي، إذ لو انكسرت وذلّت وسحبت التقرير لانفتحت لها فرص أفضل من مثل جائزة نوبل أو الأمانة العامة للأمم المتحدة. لكن ما الحل إذا بقي الرجال / الذكور يحكمون على المرأة بمقياسهم؟!! يبدو أن كثيراً من الرجال/ الذكور يصبحون أقل سعادة إذا تفوقت المرأة عليهم.
لقد أكدت استقالة الأستاذة ريما خلف إصرارها على التقرير الذي استفز الذئاب. وقد شكلت هذه الاستقالة فضيحة في وقتها للأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام الذي لم يتحلَ بالشجاعة نفسها حفاظاً على وظيفته ولو كان في ذلك انتهاكٌ للمبادئ والقيم التي من المفروض أو المتوقع أنه يحرسها، وللإدارة الأميركية أيضاً ممثلة بالرئيس العقاري التجاري ووزير خارجيته النفطي وسفيرتهما المرتزقة في الأمم المتحدة.
يقول مفكر: إنها لبركة عظيمة أن يوجد شخص في كل عصر لديه ما يكفي من الشجاعة للوقوف بمفرده دفاعاً عن قناعاته. إن الشجاعة هي ما يحتاج العالم إليه اليوم.
إن ثمن العظمة التي تجلت في الإصرار على التقرير والتي ترجمت بالاستقالة هو المسؤولية. وهي هنا أعلى درجات المسؤولية لأنها خاصة بحقوق الإنسان والشعوب. لا تكمن هذه العظمة في القوة بل استخدامها الصحيح في الزمان والمكان. لكن ما الذي يجعل شخصاً ما عظيماً وآخر قبيحاً؟ إنه الصدق مع الضمير أو الالتزام بالنزاهـة والالتزام، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان والشعوب.
لقد تحدّت امرأة واحدة أميركا وإسرائيل بهذه الاستقالة، فهل يجرؤ أحدٌ من المسؤولين العرب على تأييدها أو الجهر بتأييدها بالإصرار على تمرير التقرير؟ نرجو أن يتبنى مؤتمر القمة العربي القادم هذا التقرير ويصّر عليه.
في الختام نقول: يبدو أن صهينة الأمم المتحدة وأسرلة قراراتها ووكالاتها (بعد مجلس الأمن بالفيتو الأميركي) لتحلا محل أمميتها، على الطريق السريع على يد ترامب العقاري التجاري، ووزير خارجيته النفطي، وسفيرتهما المرتزقة في الأمم المتحدة.