شخوص الكاتبة: باكورة سرد متميزة للقاصة أماني سليمان

غلاف الكتاب-(الغد)
غلاف الكتاب-(الغد)

جمال القيسي

عمان - عن دار أزمنة للنشر والتوزيع صدرت مؤخرا المجموعة القصصية الأولى "شخوص الكاتبة" وهي باكورة الإنتاج الإبداعي للدكتورة القاصة أماني سليمان، حيث جاءت على خمس وثمانين صفحة، احتوت على اثنتي عشرة قصة قصيرة، وحملت المجموعة لوحة غلاف لفلوريان نيكولي.اضافة اعلان
واتشحت القصة التي حملت عنوان المجموعة بجوانية عالية، وإيغال في البوح شديد الدفق، بعيد الحساسية، في فسيفساء سردية جمعت بين القص والنص المفتوح، ونهاية أقرب للوصول إلى لبّ المعاني باستدراج العاطفة المشبوبة والنداءات البعيدة القريبة نحو تواشج نفسي صادق.
وظلت الكاتبة في القصة تسيطر على فكرتها التي مؤداها وجود كائنات من حبر وورق، كما في الخلق كائنات من لحم ودم، وتصاعدت وتيرة الالتحام مع النص الى درجة حيث تداخل أكثر من جنس في شكل القصة للوصول الى ذروة المعنى والالتحام بالفكرة.
وفي قصة "السطح" ثمة استدعاء لذكريات بعيدة في روح بطلتها، والعيش في نسيج زمن جميل مضى حيث "عمر اللعب والشغب"، ورشحت القصة بفيض حنين إلى سنوات خلت من الزمن الجميل الذي يستعيده المبدع بالكلمات ولا يقوى على التفريط بهمس أو ضحك العمر الغض الذي توارى خلف ستارة الزمن.
وارتأت القاصة فيها بطريقة واضحة اجتراح واقتراح سكب كثافة القصة على مساحات طويلة من الزمن، حتى إنها تقول قبيل نهايتها "انصرم زمن طويل، وغصت الضاحية بأجيال جديدة، ما يدل على أن القصة تشي بنفس روائي مختبئ وراء سطور القصة القصيرة المغرية باختزال البوح.
أما قصة "سيدة البهارات" فهي قصة رشيقة، ومشوقة، وتعد انتصارا جريئا للحلم، وتشبثا قويا به باعتباره بديلا حقيقيا ومقنعا وأصيلا عن زيف الواقع، والحلم أو آخر مشهد منه فيها "كنقيض للواقع الدميم" هو ما يظل عالقا في ذهن الصحفية "بطلة القصة" التي تعاني ضغطا نفسيا ناتجا عن زيف الأخبار وزيف الجلسات ورمادية الواقع سواء أكان مع زملاء العمل أم الأصدقاء الخلّص.
وتحتفي قصة "الرجل الذي كان ماشيا يحمل بقجة" بالسؤال - وهي التي تثير فيها القاصة تساؤلات الفضول الشديد لأشياء تعنينا ولا تعنينا وتنبش في استنطاق "العادي من الأشياء" - بأمكنة عمّانية مثل شارع الملكة رانيا ودوار الداخلية ودوار صويلح ودوار المدينة الرياضية لتكون الأمكنة ظلالا وتضليلا مقنعين يشهدان على "واقعية الحكاية".
في قصة "الجدار والعصا" تحكي سليمان بهدوء وتشويق عن فكرتين متقاربتين وتمزجهما معا، وكيف يكون الظالم والمظلوم ضحية، وهما فكرة الظلم الذي يقع على تلميذة توهمت المعلمة أنها "غشت في الامتحان" فتعسفت في العقوبة، ثم تبين لنا الكاتبة كيف أن المعلمة ذات شخصية سلبية في بيتها وليس لها من مجال حرية أو سلطة على شيء ما يدفعها الى التسلط على "الصغيرات".
وتتضمن القصة ذاتها أيضا فكرة عميقة، ضاربة في الوجدان الجمعي والفردي وارتباط المثل المعني بالحائط الذي يجلب الستر، وكيف رفضته بطلة القصة "التلميذة الصغيرة" التي كتب على ظهرها "غشاشة" ظلما وأنها لن تستر الى إذا ظلت تسير وظهرها للحائط في إشارة ذكية الى مدى ضعف الحال الذي أوصلها الظلم إليه.
القاصة أماني سليمان صدر لها (الأسلوبية والصوفية: دراسة في شعر الحسين بن منصور الحلاج) عن دار مجدلاوي للنشر في عمان العام 2002 وكذلك صدر لها (الأمثال العربية القديمة: دراسة أسلوبية، سردية، حضارية) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت العام 2009.
وهي تحمل الدكتوراة في اللغة العربية وآدابها، من الجامعة الأردنية بتقدير ممتاز، وتعمل أستاذة مساعدة في جامعة البترا، وهي عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو في نقابة الصحفيين الأردنيين.

[email protected]