شد الأحزمة.. من يجرؤ؟

سلامة الدرعاوي طبعاً ستخرج بعض الأصوات هنا وهناك وتستهزئ بشعار شد الأحزمة، وسيطالبون الحكومة بتخفيض الأسعار على اعتبار هي من ترفع أسعار السلع والخدمات. للأسف، العقلانية مفقودة بالحوارات الدائرة حول الأسعار وارتفاعاتها الجنونية، وهناك من يسعى جاهداً لحرف دفة الحوار عن أسبابها الحقيقية، وتوجيهها نحو شعبويات زائفة هدفها تحقيق مصالح شخصية او ضرب قطاعات إنتاجية وطنيّة حقق الأردن فيها اكتفاء ذاتيا، لكي تحل محلها السلع المستوردة من الخارج. غالبية الحوارات تدور حول هدف واحد وهو الضغط على الحكومة بتخفيض الأسعار، وهذا فيه تضليل حقيقي، فأسعار السلع ارتفعت عالميا، وها هو رئيس أكبر دولة في العالم جون بايدن يقول ان الولايات المتحدة لا تستطيع السيطرة على سلعتين هما الطاقة والغذاء، ويأتي بعد ذلك من يطالب الحكومة الأردنيّة بتخفيض الأسعار، فعلا فهذا هو الجهل بحد ذاته. رئيس الوزراء في بريطانيا قال انهم قد يلجأون لإلغاء وجبة الإفطار ضمن الوجبات المجانية في المدارس، للتخفيف من وطأة أزمة ارتفاع كلفة المعيشة، وبالنسبة لحكومته فهي امام خيار صعب وهو تخفيض رواتب العاملين لديهم، وهذه سلوكيات وإجراءات رسميّة تتبعها معظم دول العالم في مواجهة التحديات الاقتصاديّة العالميّة حتى يحموا استقرار اقتصادياتهم ويحافظوا على استمرارية الأعمال والأنشطة الإنتاجية المختلفة، فهل يجرؤ أحد في الداخل الأردني على طرح مثل هذه الطروحات؟ الاجابة لا شك أنها لا، وهو أمر غير مطروح على الإطلاق، لكن واجب الحكومة والمواطن على حد سواء ان يتخذوا تدابير وقائية مهما كانت بسيطة لتخفيف الاعباء الماليّة والضغوطات المعيشيّة والقلق على أمنهم المعيشيّ، فما يحدث في الاقتصاد العالميّ هو حرب حقيقية بكل ما في الكلمة من معنى، فهناك حرب الاسعار التي طالت كل صغيرة وكبيرة، ولن تتوقف خلال المرحلة القصيرة المقبلة كما يتصور البعض، فهل ستبقى الحكومة والمواطن يتبادلان الاتهامات حول الأسعار ومن يتحمل مسؤوليتها؟ لا بد من مبادرة حكوميّة باتجاه إعلان سياسة شد الأحزمة، ولتبدأ بنفسها الحكومة، من خلال ضبط حقيقي وملموس لكافة نفقاتها حتى الرأسمالية منها ان لم تكن له قيمة مضافة عالية على الاقتصاد، وإيقاف كافة مظاهر الهدر الماليّ والسلوكيات الانفاقية التي لا تتناسب مع تحديات الوضع الراهنة. اما المواطن فأيضا عليه مسؤولية كبيرة في ضبط سلوكياته الاستهلاكية مهما كان دخله وكل ما باستطاعته، لا بد ان يكون جريئا وواقعيا في نفقاته واستهلاكه المعيشيّ اليومي، والتخفيف قدر المستطاع ما يمكن تخفيضه من سلة استهلاكه اليومي، حتى لو اضطر لمقاطعة سلعة معينة او تخفيف استهلاكه لمرة او مرتين في الشهر او الأسبوع، ففي النهاية هو مضطر ان يلجأ لمثل هذه السلوكيات من أجل المساهمة بتخفيف الضغوطات الماليّة عليه، فدخله الأساسي شبه ثابت، وبقاء المواطن بذات الشكل الاستهلاكي يعني استنزافا إضافيا للقوة الشرائية لدخله الضعيف أصلا. المشكلة اليوم متعلقة بالأسعار وارتفاعها الجنوني، لكن المشكلة غداً لن تكون قاصرة على الزيادات في الاسعار، وإنما ستكون هناك أزمة جديدة مع مرور الايام تتعلق بتوفر الكميات، حيث سيكون هناك نقص في بعض السلع الغذائية الأساسية مثل الحبوب نتيجة النقص الإنتاجي على المستوى العالمي، حينها لا أدري ماذا سيكون بإمكان هؤلاء الذي يتحدثون عن أسباب الارتفاعات واتهام الحكومة برفعها، ماذا سيقولون حينها والجميع يعلم ان الأردن يستورد أكثر من 90 % من احتياجاته من الغذاء، ولا يملك أي قدرة على مواجهة هذه الحرب الا بالتحوط وسياسة شد الأحزمة وضبط النفقات، وهذا يجب ان يكون على رأس اولويات خطاب الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني وحماية المستهلك، فالجميع مطالب بدق ناقوس الخطر، والبدء باتخاذ خطوات جريئة لبدء هذا الحوار وترجمته الى سياسات تنفيذية لمواجهة حرب الاسعار، فمن يجرؤ على البدء باتخاذ هذه الخطوات الجريئة. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان