شرق أوسط بلا عرب!

في كتابه "مستشار الملك"، الصادر نهاية العام الماضي، يروي المحامي ورجل المخابرات المركزية الأميركية السابق "جاك أوكونيل"، كيف اعترته الدهشة وهو يرى "دينس روس" يحافظ على دوره ونفوذه عبر الإدارات الأميركية المختلفة، الجمهورية والديمقراطية على السواء، منذ عهد جورج بوش الأب إلى الرئيس الحالي باراك أوباما. وإذ ظن "أوكونيل"، بداية، أن ثمة داعمين متنفذين وراء استقرار "روس" العابر للرؤساء، إلا أنه انتهى إلى أن "السر" لا يتعدى حدود الكفاءة البيروقراطية للدبلوماسي الأميركي شديد الولاء لإسرائيل.اضافة اعلان
اليوم، وبعد الاطمئنان إلى ما يمكن اعتباره موتاً سريرياً للتسوية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبما يرسخ الاحتلال الإسرائيلي لأغلب الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، يعود المساعد الخاص السابق للرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا (خلال الفترة 2009-2011)، ليقدم وصفته للإدارة الأميركية التي تكفل إقناع إسرائيل بعدم شن حرب قريبة على إيران، تستهدف منشآتها النووية خصوصاً.
ففي مقالته المنشورة في صحيفة "نيويورك تايمز"، يوم الجمعة الماضي، والتي تتضمن حثه إدارة أوباما على وضع عرض نهائي لإيران خاضع لفترة زمنية محددة، مع بدء المشاورات مع الحلفاء والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بشأن الاستراتيجية الواجب تنفيذها مع إعلان فشل الحل الدبلوماسي؛ يقدم "روس" خطوتين يتوجب على الإدارة الأميركية اتباعهما تجاه إسرائيل. الأولى، زيادة القدرات العسكرية الإسرائيلية استناداً إلى ما يراه القادة الإسرائيليون تحديداً؛ وثانيتهما، تقديم الوعود للإسرائيليين بتعويض أسلحتهم وذخائرهم عقب الهجوم على إيران، مع توفير الدعم العسكري والسياسي خلال هكذا هجوم!
وإذا كان شراء الوقت، ليس إلا، من "الحليفة" إسرائيل يعني زيادة قدراتها العسكرية بشكل ضخم، وبما يعمق الهوة السحيقة القائمة أصلاً بينها وبين الدول العربية؛ فإن المفروغ منه والأخطر هو الثمن السياسي المسكوت عنه بحكم الأمر الواقع، والذي شرعت الولايات المتحدة بتقديمه فعلاً منذ مدة طويلة على حساب الفلسطينيين وحدهم، والمتمثل في الصمت على كل ممارسات الاستيطان الإسرائيلي والقتل والقهر والتنكيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك قطاع غزة المحاصر.
قد تبدو مفارقة كبرى في زمن الربيع العربي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، أن تقرر الإدارة الأميركية اختزال الشرق الأوسط في "إيرانيين" و"إسرائيليين"، بلا أدنى وجود للعرب أهل المنطقة الحقيقيين والباقين. وقد يبدو في ذلك تأكيد لنظرية أنصار نظام بشار الأسد -والذين باتوا بأثر رجعي هم ذاتهم بواكي معمر القذافي، وعلي عبدالله صالح، وحسني مبارك، وزين العابدين بن علي- بأن هذا الربيع ليس إلا ربيعاً أميركياً وصهيونياً.
لكن التقاء الشعوب العربية مع أشقائهم الفلسطينيين على طلب الحرية، سواء من دكتاتور أو من محتل، يجعل الصحيح هو النقيض تماماً. فمن يزيد هيمنة إسرائيل ليس إلا من وقف في وجه الشعوب العربية منكراً عليها حقها في الحرية، مبرراً تدمير بلاد بأكملها لأجل فرد لم تطلق عائلته يوماً رصاصة باتجاه إسرائيل.

[email protected]