شعب الإنترنت.. مجرد تأملات

في الأنباء أمس، أن مستخدمي الإنترنت في المملكة تضاعفت أعدادهم ست مرات خلال السنوات السبع الأخيرة؛ إذ زاد العدد، بحسب هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، من 770 ألف مستخدم، بنسبة انتشار حوالي 14 % العام 2006، إلى 5.3 مليون مستخدم، وبنسبة انتشار 73 % العام 2013.اضافة اعلان
طبعا، ساعد انتشار الهواتف الذكية، والتوسع في خدمات شركات الاتصالات، وتقنية الجيل الثالث و"النت" اللاسلكي، وغيرها، في تعميم خدمات استخدام الإنترنت في المملكة. وتضاعف الإقبال عليها، خاصة من فئات الشباب، بل والأطفال والمراهقين أيضا.
ما علينا! فما حصل متوقع في ظل التطور الهائل في الاتصالات وتقنياتها، والحاجة الملحة للإنترنت والتطبيقات الحديثة للاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي، وانخفاض أسعار مثل هذه الخدمات والسلع في ظل تزايد المنافسة في السوق، وتعدد المشغلين والمنتجين للخدمة.
لكن في الخبر ما يثير التأملات، ويفتح على تساؤلات أعمق وأعقد من الأرقام الصماء التي تبثها الصحف والموقع الإلكتروني لهيئة الاتصالات في هذا المجال. والتساؤل الأول الذي يخطر بالبال عند قراءة هذا الخبر، هو: كم من هذا الكم الكبير لاستخدام هذه التقنيات الاتصالية الحديثة من قبل الأردنيين، يُستخدم في تلقي المعرفة وفي التفاعل مع الإمكانيات الضخمة وغير المحدودة للشبكة العنكبوتية في تقديم مثل هذه المعرفة والمعلومات؟!
في هذا السياق، ولا أعرف إن كان يمكن تعميم الظاهرة عالميا، لكن على الأقل يمكن إسقاطها على الأردن والعديد من الدول العربية، وأقصد بها أن النسبة الأكبر، وربما العظمى من مستخدمي "النت"، يستغلونها في الغالب في مجال الاتصالات الهاتفية والرسائل الخليوية وغرف المحادثة (التشاتنغ)، والتطبيقات المتنوعة والمجانية الواسعة لهذه التقنيات. إضافة إلى اقتصار الاستخدام لدى الغالبية، كما أعتقد وأقدر، على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا "فيسبوك"، ومتابعة ما يمكن تسميتها صحافة النميمة والفضائح، عبر سلة متنوعة وواسعة من المواقع المحلية والعالمية.
لا أعتقد أن نصيب المعرفة والاستفادة من الإمكانات الهائلة للشبكة العنكبوتية في وارد النسبة الغالبة من مستخدمي "النت" محليا وعربيا. وهذه قضية تفتح أيضا على قضية أخرى، لا تقل خطورة ثقافيا وعلميا عن الانشغال شبه الدائم بمواقع التواصل الاجتماعي والاتصال المجاني و"التشاتنغ" عبر "فايبر" و"واتس آب" و"تانغو" وغيرها الكثير؛ وهي قضية تراجع مكانة الكتاب والمطالعة بصورة مزرية في مجتمعاتنا في العقدين الأخيرين.
قد يحتاج الحديث في الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياسية للاستغراق المشوه في تقنيات الاتصالات الحديثة في مجتمعاتنا، لعلماء ومختصين. لكن النظرة الأولية التي لا تخطئها عين المتابع والمهتم، تلحظ الآثار السلبية، نفسيا واجتماعيا وحتى سياسيا، لمثل هذا الاستغراق المشوه، وحالة الانطوائية وانتشار القيم الاستهلاكية وضحالة مستويات الثقافة العامة.
أما إذا أردت أن تقيس التوظيف السلبي لهذه التقنيات، فعليك بجولة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتعليقات على أخبار العديد من المواقع الإلكترونية، لتكتشف حجم الإسفاف وحروب "داحس والغبراء"، وإشاعة الكراهية، والنخر في تماسك المجتمع ووحدته الوطنية، لتعرف أين يذهب جزء غير قليل من الاستخدام المكثف للإنترنت في الأردن!
ما الحل؟! حقا لا أعرف؛ لكنها مجرد تأملات.