شعب يحب الحياة

تمتلئ ساحات حدائق الحسين غربي العاصمة عمان كل مساء بآلاف المواطنين القادمين من مختلف المحافظات للتمتع بفعاليات مهرجان صيف عمان الذي تنظمه أمانة عمان. فعاليات المهرجان التي شارفت على نهايتها تشتمل على فقرات غنائية ونشاطات ثقافية موجهة للصغار والعائلات.اضافة اعلان
نساء ورجال وأطفال يقفون جنبا إلى جنب ينشدون الأغاني مع فنانين أردنيين، وينخرطون في أمسيات تمتد لساعات متأخرة، وسط تنظيم ممتاز.
ومنذ يومين شرعت مؤسسة شومان بتنظيم أسبوع ثقافي في مدينة السلط ضمن برنامجها الذي يسعى لنقل النشاط الثقافي والفني من عمان إلى المحافظات كافة. المنظمون منبهرون من حجم التفاعل الشعبي في المدينة العريقة مع الشأن الثقافي، وزخم المشاركة في الأمسيات الشعرية والفنية وبرامج أخرى مخصصة للأطفال.
وعندما نظمت وزارة الثقافة قبل أسبوع يوما لتوزيع الكتب مجانا على المواطنين في المدرج الروماني، شهدنا جميعا تهافتا غير مسبوق من العائلات، لا نشهد له مثيلا في العادة إلا على عروض المولات التجارية.
أمسيات المحافظات التي نظمتها الحكومة خلال شهر رمضان وضمن برنامج "أردن النخوة" كانت نموذجا حيا وناجحا على رغبة الأردنيين في كل أنحاء الوطن على حضور النشاطات الترفيهية والثقافية، والتفاعل معها بحماس يعكس تعلق الناس وحبهم للحياة.
لسنا ذلك الشعب الذي يحاول البعض تصويره؛ منغلق، يكره الموسيقا والفن ويرفض الاختلاط، وينبذ مباهج الحياة ولا يهتم بالشأن الثقافي.
المشاهد من عمان والسلط والكرك وإربد تفيد بعكس ذلك تماما. كل ما في الأمر أن القوى الحية في المجتمع استسلمت لانطباعات خاطئة، ورضخت لتهديدات قوى متشددة، تحاول حشر الأردنيين في تصنيفات لا تتسق أبدا مع تاريخهم الاجتماعي والثقافي، وإرثهم من التنوع والانفتاح. وعندما يجد الناس فرصتهم للتعبير عن أنفسهم بحرية، يقدمون صورتهم على حقيقتها كشعب محب للحياة، وهو في نفس الوقت لا يسقط قيمه الأخلاقية من الاعتبار.
النشاط المسرحي على محدوديته في الأردن، يلقى تفاعلا معتبرا من أوساط اجتماعية واسعة، خاصة العائلات. الموسيقا المعاصرة تشد قطاعات كبيرة من الشبان، ومثلها الأمسيات الأدبية والشعرية؛ هنا في عمان وفي مدن المملكة عموما. وثمة تركيز لا بد من دعمه حاليا على الأعمال الفنية الموجهة للأطفال، لأنها المفتاح لبناء شخصية متصالحة مع عالمها ومدركة لقيم التعايش وقبول الآخر.
الفن أهم وسائل التعليم في العالم المعاصر، إنه مثل المختبرات التي يتقن فيها الطلاب مهارات الفيزياء والكيمياء، فهي التي تعلمهم الخبرات الاجتماعية وتزرع فيهم مفاهيم الحداثة والتنوير والمعرفة.
المؤسف أن هذه الوسائل تراجع دورها في العملية التعليمية، فلم تعد مدارسنا الحكومية تدرس فنون المسرح والموسيقا، ولا تعرض لطلابها شيئا من روائع الأدب العربي والعالمي، إلا في أضيق الحدود.
ذلك كله انعكس فقرا معرفيا، وجهلا بقيم الحياة وقبولا وفهم العالم من حولنا، وأخطر من ذلك السقوط في خانة التحريم والتكفير لكل هذه القيم والثقافات الإنسانية.
ما يزال لدى الأردنيين القدر الكافي من قيم الحياة وتنوعها، وهم على استعداد للتعبير عن أنفسهم بجرأة كلما اتيحت لهم الفرصة، فقراء كانوا أم اغنياء.