شغب الندوات

 

يصطدم المشتغلون بالحقل الثقافي، سواء على مستوى التنظيم والمشاركة أو الحضور والمتابعة، بظاهرة بالغة الإزعاج، تفشت خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت مصاحبة تقريبا لكل الفعاليات الثقافية التي تحتضنها العاصمة عمان.

اضافة اعلان

تتمثل تلك الظاهرة في مسلكيات بعض النماذج المحسوبة على المشهد الثقافي تجاوزا، حيث تعمد بحجة غرابة الأطوار، ولغايات استعراضية بحتة إلى فرض نفسها وافتعال اتخاذ مواقف حادة، والتطفل بأساليب أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها وقحة.

يأتي ذلك بهدف لفت الأنظار وإثارة الفوضى وإرباك المسار الطبيعي المقرر وفق جدول تلك الفعاليات، ما يشكل إزعاجا جسيما للضيوف العرب المشاركين، ويضع سوية العمل الثقافي الأردني موضع شك وريبة. وقد طالب أحد الشعراء العرب ممن طالتهم "سفاهة" هؤلاء بضرورة "لجم المجانين" قبل توجيه الدعوة إلى الرموز الثقافية المحترمة وتعريضها للإهانة على المنابر، من قبل تلك الفئة التي تستغل حالة الحياء العام وتتمادى في غيها من دون ضوابط.

وفي حين لا تتحمل المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي أدنى مسؤولية سوى جريرة ان أبوابها مشرعة للجميع، إذ لا يعقل أن تستعين تلك المؤسسات حاملة لواء التقدمية والحداثة والتنوير وحرية التعبير، بقوات الدرك، المتخصصة بمكافحة شغب الملاعب، لغايات ضبط إيقاع ندوة أو أمسية شعرية..!

وبموازاة تلك النماذج المؤذية، ثمة فئة ثانية أقل صخبا، وإن كانت تسهم بدورها في تشويش الصورة كونها طارئة تماما؛ وهي شخصيات لا تعاني من أي جوع معرفي، بل هي نماذج جاحظية بامتياز تتمتع بشهية عالية، يتركز اهتمام هذه الفئة في النشاط الاجتماعي الغذائي الموازي للفعالية من موائد وحفلات استقبال، فتتطفل وتزاحم من باب أن الدعوة عامة، وتتصدر موائد معدة للضيوف من عرب ومحليين مشاركين أساسا في الفعالية.

وثمة فئة ثالثة وهي البلاء الأكبر من المصابين بلوثة الوهم الإبداعي من متواضعي الموهبة غزيري الإنتاج، ممن يستثمرون مناسبات كهذه لغايات ترويج أنفسهم من خلال مهارات العلاقات العامة حصرا.

ومن باب الإنصاف لابد من الإقرار بأن تلك النماذج التي لا تخلو من رثاثة تتكرر بشكل عجيب في جل الفعاليات الثقافية التي يحفل بها الوطن العربي.

لا نستطيع بطبيعة الحال نفي المسؤولية عن القائمين على مثل تلك الفعاليات، حين يستسهلون الجانب التنظيمي، ويوجهون الدعوات إلى أشخاص غير جديرين، وغير ممثلين للمشهد الثقافي الحقيقي في بلادهم، فتصب مشاركاتهم الركيكة بدورها في "شغب الندوات"، وتسيء إلى مشاركة أسماء مرموقة وجديرة بالاحتفاء.

ظواهر وآفات عانينا منها طويلا، من شأنها تبديد جهود مبدعين حقيقيين يعملون بكل حرفية، ويتعاطون مع الفعالية كمنجز ثقافي جاد، وليس كحفلات استقبال ينفس فيها البعض عن عقد ليست دفينة على الإطلاق!

من هنا، ومن باب أولى وبغية تقديم صورة حضارية للمؤسسات الثقافية الأردنية، وتعزيز منجزها التنظيمي، لا بد للقائمين على فعاليات كهذه من الخروج بوسيلة ما، لتفادي تكرار السلوكيات المخجلة الباعثة على الحنق والمشوهة لصورة الوسط الثقافي عموما.

ولا ضير من اللجوء إلى الآليات التأديبية المتبعة لدى النوادي الرياضية بحق جمهورها،  للحد من "شغب الندوات"، وضمان توفر أدبيات الحوار الذي يكفل احترام المجموعة، وعدم التطاول عليها.   

استمرار مثل هذه النماذج المؤسفة في مسلكها هذا، من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من النفور الذي يبديه عامة الناس من صورة المثقف النمطية التي يكرسها هؤلاء، ابتداء من المظهر الرث المفتقد إلى أبسط مظاهر النظافة الشخصية، انتهاء بالسلوك الفج وغير اللائق المدمر للمشهد الثقافي برمته.