شكراً كوشنير!

على الأغلب هنالك سطر محذوف في خطاب زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي -الذي أصدره مؤخراً بعد غياب لمدة عام- وهو رسالة شكر وعرفان منه إلى صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاريد كوشنير، ومعه الشخصيات اليمينية التي تقبض على الإدارة الأميركية، على ما يقومون به من جهود كبيرة وهائلة لإنعاش التنظيم وإخراجه من الظروف الصعبة التي يمرّ بها، وزيادة قدرته على التجنيد والدعاية!اضافة اعلان
لا يوجد أحد يمكن أن يخدم أجندة داعش وخطاب التنظيم أكثر من الإدارة الأميركية الحالية، وكوشنير، الذي يتجاوز حتى اليمين الإسرائيلي في محاولاته القضاء على القضية الفلسطينية، من موضوع القدس، إلى أفكاره حول صفقة القرن، وصولاً إلى موضوع وقف الدعم الأميركي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، الاونروا.
كاد البغدادي أن يدبّج رسالة الشكر تلك ويضمّنها خطابه، لولا أنّه خشي من أن يُفهم الموضوع ضمن نظريات "المؤامرة" التقليدية (التي تفترض أنّ داعش مجرّد لعبة بيد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل)، فالقصة لا تتجاوز التقاء المصالح بين الطرفين، كما حدث خلال الحرب الأفغانية، عندما تمّ دعم القاعدة في مواجهة الاتحاد السوفييتي.
لا يجد الرجل -البغدادي- خدمة يمكن أن يحصل عليها اليوم أكثر من موضوع وقف المساعدات الأميركية للأونروا، لأنّ ذلك يؤكّد وجود خطة أميركية لإذابة القضية الفلسطينية، ونظام عربي عاجز وغير قادر على مواجهة ذلك، ويعزز حالة الإحباط والخيبة لدى ملايين الشباب العربي، ويدفع بهم نحو الراديكالية، وبعضهم نحو العدمية.
أخطر ما في أزمة الأونروا، التي تقف وراءها أجندة كوشنير، هم نصف مليون طفل فلسطيني سيكونون في الشوارع في نهاية الشهر المقبل، في الضفة وغزة والأردن..، هؤلاء ضمن الظروف السياسية الراهنة في العالم العربي، بمثابة صيد سهل متاح لأفكار داعش ودعايته الإعلامية، ومن الممكن بسهولة استقطاب أعداد منهم، لأنّهم يرون هذا الموقف الأميركي المعادي لهم ولحقوقهم الطبيعية، ويجدون العالم العربي خارج اللعبة، ويرفض أن يعوض المال الأميركي، والعالم الذي ينفق المليارات على التسليح غير مستعد لأن يقوم بالوقوف معهم ودعمهم!
البغدادي أراد أن يقول: شكراً عزيزي كوشنير، من كل قلبي، على هذه الحماقات التي ترتكبها، والتي توفّر لنا فرصة ذهبية في التأكيد أنّنا نحن الخيار الوحيد، أمام الطلاب الذين أجبروا على ترك مدارسهم، وربما المعلمين الذين سيجدون أنفسهم بالشارع، وخطابنا الذي يستند على الانتقام والإرهاب والدموية هو الذي سيعمل على استقطاب أكبر عدد ممكن من هؤلاء!
قضية الأونروا لا تقل أهمية عن مواضيع أخرى، مثل القدس، لأنّها تمس تعريف الفلسطيني كلاجئ، ولأنّها تمس الحياة اليومية للملايين منهم، ولأنّها ترتطم بجيل من الأطفال والشباب الذي أصبح قلقاً على أبسط حقوقه الإنسانية؛ التعليم، ولأنّها تفضح أكثر الوضع العربي الراهن!