شهادات اقتصادية من القطاع الخاص

مدير عام أحد البنوك بدا متحمساً حين قال لي إن هناك قدراً من الإنصاف في الدعوة إلى زيادة الضريبة على البنوك. وهو أيضاً لا يرى ضيراً في أن تكون هذه الضريبة تصاعدية. ولأجل العدالة بين البنوك نفسها، وبينها وبين باقي الشركات الأخرى، أكد على ضرورة أن لا يتم تقدير الضريبة على أساس القيمة المطلقة للأرباح فقط، وأن يؤخذ بعين الاعتبار معيار العائد على الاستثمار، لأنه يكشف عن نسبة الأرباح التي يجنيها أي بنك وشركة أخرى، وهو معيار لا يقل أهمية عن معيار الأرباح المطلقة.اضافة اعلان
رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات، وهو مسؤول سابق، أسهب في حديث جانبي في التذكير بالفساد الاقتصادي لدى القطاع الخاص، ووصفه بأنه يفوق مثيله لدى الحكومة ولدى الشركات التي تساهم فيها. وضرب مثلاً ببعض الشركات المساهمة العامة التي ظهر في سيرة كثير منها فساد كبير، تجاوز في بعضها عشرات الملايين. ولم ينس أن يذكّر بمفسدة ما عرف بالبورصات العالمية. وتوقف عند حالات التهرب والتحايل الجمركي لدى البعض، والتهرب الضريبي الذي لا تتحرج منه شركات كبرى. وعندما أبديت رأيي مرجحاً في معظم الحالات أن الفساد الإداري الحكومي يقف شريكاً مع القطاع الخاص في فساده، وافقني على أن مسؤولية الحكومة عن الفساد الذي يقترفه القطاع الخاص لا تقل عن مسؤولية القطاع نفسه.
صديق أفاض الله تعالى عليه بنعمته، حدثني مطولاً عن مدى تقصير الأثرياء بحق البلد. قال لي: دعنا من الأثرياء غير الصالحين، ولنتحدث عن الصالحين الذين أتأمل أنهم ليسوا قليلين. أمثال هؤلاء ننتظر منهم أن يتحلوا بالمسؤولية تجاه الدولة والمجتمع، إن لم يكن من أجل الوفاء لهما، فلأجل الحياة الرغيدة التي يمكّنهم بلدهم من العيش فيها بأبخس الأثمان نسبة إلى ثرائهم. الألف دينار عند بعض الأثرياء، وهم كثيرون، مثل عشرة دنانير عند ابن الطبقة الوسطى، وهي مثل دينار واحد عند محدود الدخل. وأضاف: تصور أنه يمكنني دعوة عشرين شخصاً إلى أفضل مطاعم عمان بكلفة لا تزيد على 600 دينار؛ وفي بيتي أربع خادمات بمجموع أجر شهري لا يتجاوز ألف دينار؛ وفي سفري أنفق كما ينفق أغنياء البلاد المترفة. فكيف لنا أن نخذل المجتمع الذي ننتمي إليه ونعيش فيه عندما يحتاجنا.
ثلاث شهادات من ثلاثة أصدقاء، استمعت إليها في الأشهر القليلة الماضية، لم تخرج في مضمونها عن القاسم المشترك لحوارات المجتمع بطيفه الواسع. إذ تتحدث عن السياسات المالية، وفي صلبها الضرائب؛ وعن الفساد بنوعيه، الحكومي والخاص؛ وعن المسؤولية المجتمعية لرأس المال الوطني، ومدى تواضع الوفاء بها ضمن المستوى الذي يليق بمواصفات المواطنة المسؤولة، إن كان لجهة الالتزام بدفع الاستحقاقات الضريبية والجمركية، أو لجهة التوسع في الاستثمار، أو لجهة المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية.
شهادات تذكرنا أيضاً بهذا الحجم الكبير من اقتصاد الظل الذي يديره القطاع الخاص، وتصل نسبة العاملين فيه، بحسب دراسات نفذتها وزارة التخطيط، إلى 40 % من المشتغلين من القوى العاملة الإجمالية. وهو نشاط اقتصادي غير مسجل رسمياً؛ فلا يدفع ما عليه من ضرائب، ولا يستفيد العاملون فيه من التأمينات التقاعدية والصحية، ويمثلون رقماً مجهولاً يغيب عن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ويفقدها مصداقيتها.
للسياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية دور أساسي في توزيع عوائد التنمية. وهي مسؤولية حكومية بالدرجة الأولى، لكن ذلك لا ينفي أن يكون القطاع الخاص صاحب دور مؤسسي فيها؛ إن كان لجهة تقديم الخبرة والمشورة للحكومة، أو مشاركتها في بعض مسؤولياتها، أو قيام هذا القطاع بمبادراته الخاصة تحت الشعور بالمسؤولية الاجتماعية.

[email protected]