شهادة عدم محكومية!

خرجت نجمة هوليوود ليندسي لوهان من السجن مؤخرا، وصرحت عن أملها في المشاركة بعمل فني جدير بترشيحها لنيل جائزة الأوسكار.
خبر عادي، من الممكن أن نقرأه على الدوام، غير أننا نادرا ما توقفنا عنده، وسألنا أنفسنا: ترى كيف سيكون عليه الحال لو أن هذا الأمر حصل مع فنانة أردنية؟!اضافة اعلان
هل من الممكن أن يتقبلها المجتمع من جديد، وتفتح لها أبواب الحلم والحياة والعمل، بعد أن قضت مدة محكوميتها، ودفعت دين المجتمع عليها؟
هل سيسامحها المجتمع ويصفح عنها، ويتقبلها في حضنه من جديد، بعد أن تطهّرت من خطئها بمصادرة حريتها زمنا ما، أم أن مجتمعنا الشرقي، المغرق في المحاسبة، سوف يظل يذكّرها مدى وجودها على قيد الحياة بجريمتها تلك، ويحاسبها عليها في كل لحظة؟
الجواب لن يغيب طويلا عن مداركنا، إذ إن المجتمع الذي نعيش فيه اليوم لن يمنحها شهادة عدم محكومية وحسن سيرة وسلوك، حتى لو كان حكمها ساعة واحدة بين أسوار السجن، بل إنه سيقف حائلا بينها وبين تحقيق أحلام مؤجلة كانت ادخرت لحياة قادمة، لم تعرف أنه سوف يجري مصادرتها.
هذا هو السجن الأكبر؛ سجن سطوة المجتمع، حيث كل فرد قاضٍ غير عادل ولا منصف ولا متسامح، وهو بالتالي لا يستطيع أن يغفر لمن تعطيه الحياة فرصة أكبر للعيش والتكفير عن ذنب عوقب عليه ودفع ثمنه.
ذلك هو السجن الواسع أمام الخطأ الأوحد، وإيصاد الأبواب أمام البدايات الجديدة والرغبة بتجاوز أخطاء الماضي.
إنها سطوة المجتمع التي تقف عائقا أمام التفكير الحقيقي بمستقبل مشرق بعيدا عن أخطاء الماضي، وهذا ليس مجرد كلام تنظيري، بل هو خلاصة دراسة ميدانية متخصصة بعنوان "صدمة الإفراج لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل واندماجهم في المجتمع"، نشرتها "الغد".
نتائج الدراسة بينت أن زهاء نصف العينة كررت الفعل الإجرامي، وعادت إلى السجن، وأن ثلث المكررين عزوا ذلك إلى عدم وجود فرصة عمل، في حين قال 1.3 % إنهم ارتكبوا الجرم لوجود مشكلات عائلية، ووصف %1.9  السجن بأنه "أفضل مأوى".
المأساة لا تقف عند هذا الحد، فقد اتبعت "الغد" نشرها للدراسة، بتحقيق كشف عن أن أهالي سجناء أنهوا محكوميتهم وأفرج عنهم، ضاقوا بهم، ويتمنون لو أنهم ظلوا في السجن، من أجل أن تستمر الحكومة في صرف "المعونة الوطنية" المالية لأفراد أسرتهم، فرغم أن مقدار تلك المعونة لا يسمن ولا يغني من جوع، إلا أنهم جميعهم يؤكدون أن السجناء المطلق سراحهم لا يتمكنون من تأمين أي دخل لأسرهم، بسبب عدم قدرتهم على الحصول على شهادة عدم محكومية.
وإذا كان شعور الفرد قد وصل لدرجة يقول فيها بأن السجن "أفضل مأوى"، فإن هذا يمثل مؤشرا خطيرا للوضع المأساوي الذي يختبره الشخص في مجتمع يصعب عليه أن يغير ثقافته السلبية، وطريقة حكمه على الآخرين، وكأنه يدفع بالمخطئ نحو إعادة فعلته، ليعود بالتالي إلى "أحضان" السجن الذي خرج منه.
 إن شهادة عدم المحكومية وحسن السيرة والسلوك، أمر يتناقض مع حقوق الإنسان، فكل شخص في هذه الحياة معرض لارتكاب خطأ ما، وبالتالي لا يوجد إنسان كامل، أو معصوم عن الخطيئة.
 هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الحكومة من خلال تأمين سبل العيش الكريم للفرد بعد خروجه من السجن ودمجه بالمجتمع، وتوفير فرصة كريمة تكفيه ذلّ السؤال، كما تكفيه مشقة البحث عن بدائل لا قانونية لإعالة أسرته.
 إن الدولة التي تدفع عن طريق صندوق المعونة الوطني لأسر 1015 سجينا، مبلغ 132 ألف دينار شهريا، بإمكانها تقليص هذا المبلغ في حال تم تأهيل السجناء، والأهم من ذلك كله، أن تتدرج الدولة في برامج تشغيلهم ومحاولة إدماجهم في المجتمع من جديد.