شهية للاقتراض لا للإصلاح!

ليس خافياً على الأردنيين، وصندوق النقد الدولي، أنّ كل ما فعله المسؤولون الحكوميون حيال برامج التصحيح الاقتصادي منذ العام 1989، ليس إلا محاولات مستمرة للاقتراض وتضخيم المديونية. فلم يحمل ربع قرن مضى ما يمكن تسميته بالإصلاح الاقتصادي، بل على العكس؛ علاقة مشدودة مع مؤسسات التمويل الدولية، تنتهي بإغراق الأردن بمزيد من الديون، وسط تأجيل الإصلاح أو التغاضي عنه بسبب ورطة المديونيات المتصاعدة.اضافة اعلان
انتهى برنامج التصحيح الاقتصادي للسنوات الثلاث الماضية، وفشلت الحكومة السابقة في تحقيق أداء اقتصادي مقنع، أو تصويب مؤشرات الفقر والبطالة. وسر إخفاقها يكمن في توسيع رقعة الغلاء وتورم المديونية إلى أكثر من 35 مليار دولار عندما سلمت حكومة
د.عبدالله النسور الخزينة إلى حكومة د. هاني الملقي. ويبدو من الصعب على الحكومة الحالية أن تدخل في رهانات اقتصادية ناجحة، أو في علاقة مثالية مع صندوق النقد الدولي لبرنامج السنوات الثلاث المقبلة؛ فالمشهد متكرر، وقوامه أن الحكومة -السابقة والحالية وربما المقبلة- تبحث عمن يقرضها، ولا تأبه كثيرا لتحقيق الإصلاح أو معالجة التشوهات، وفي مقدمتها تشوه الشهية المفتوحة على الاقتراض وتضخيم القطاع العام.
البرنامج الجديد مع "الصندوق" يتطلب زيادة أسعار الكهرباء والمياه، وإجراءات قاسية أخرى تطال كل القطاعات الاقتصادية -أفرادا ومؤسسات- بتداعياتها السلبية. وكل هذا بهدف خفض نسبة المديونية من 93 % إلى 77 % من الناتج المحلي الإجمالي.
في مقابل البرنامج الأخير (2012-2015)، حصلت حكومة النسور على قروض بدفعات وصلت إلى ملياري دولار. وثمنا للبرنامج المرتقب، فإن الحكومة تسعى للحصول على قروض جديدة تفوق المليار دولار في بداية تطبيق البرنامج.
الحقيقة الماثلة أمام الجميع هي أن حالة الاقتصاد تزيد سوءا، وجيوب المستهلكين فارغة منذ أكثر من عقدين، وبرامج التصحيح الاقتصادي تأتي على حساب هؤلاء. فمن السهل على أي حكومة اتخاذ قرارات صوب إلغاء الدعم عن خدمات أساسية في حياة المواطنين، بيد أن تداعيات هذه القرارات أنتجت صعوبات في المعيشة وسبل التكيف مع الغلاء المتراكم، كما دفع المواطن الأردني ثمن هذه القرارات، في الوقت الذي تتغنى فيه الحكومات بالاستقرار النقدي والمالي وبناء الاحتياطات، حتى بدت العزلة مكشوفة بين مواطن يدفع ثمن سياسات اقتصادية سلبية وبين حكومة تقول إنها تسعى إلى إقناع مؤسسات التمويل بأي ثمن بمزيد من الاقتراض للأعوام اللاحقة.
من المسؤول عن الأزمة؟ هل هي أزمة حكومات لا تلتزم بمستويات إنفاق مقبولة، بما يجنبها الاستدانة، وهذا يعني بالضرورة أن لا يتسع القطاع العام كما هو عليه اليوم؟ أم أن الأزمة لدى صندوق النقد الدولي الذي ينتقد تشوهات الاقتصاد الأردني سنويا، لكن بإقراض "الصندوق" المديد للحكومات يعزز من تلك التشوهات، وتلك هي حصيلة العلاقة معه منذ العام 1988؟
فرق كبير وجوهري بين أن تذهب في علاقة مع مؤسسات التمويل الدولية بغية تحقيق إصلاح اقتصادي قابل للديمومة، وبين أن تقف على عتبات هذه المؤسسات طالبا القروض كيفما اتفق!