شيء يشبه الحب

لن أكتب اليوم عن حب انحصر باليوم واللون والطعم، في المقاهي المضببة بفعل لهاث العاشقين الهاربين من المطر، بينما الحب لا يقوم له قائم دون أن يبلل شفاهه المطر، ويطرطش علي "جينزه" المكحوت وكنزته الصوفية طين أسمر، ترشقه ببلاهة عربات مسرعة لمحلات الورود الفارهة. اضافة اعلان
 لا أعرف لم تشوهت أشكال العشق المحلي، مثل مراييل مدارس البنات، التي لا يكاد يظهر منها اليوم إلا قطعة ضيقة تنحصر بين سترات "زارا" المقلدة وبنطلونات مبطنة تخفي تمزقات مقصودة! مثلها الحب صار مقلدا ومحشورا وضيقا رقم اتساع  الخيارات المنسوخة، والتي لولاها على الباحثين عبر وسائل التواصل، لما اكتمل قمر المحبين ولانقلب اليوم نكدا ودموعا تملأ وجوه الدمى الحمراء.
 في الماضي كان سقف توقعات العاشقين أعلى من خيال المغردين وأعظم من منشورات المؤثرين. كان سماء مفتوحة للأحلام والتمنيات، بضمة أو قبلة على الرأس، أو رقصة بطيئة بين جموع المدعوين، لحفل زفاف هو النهاية السعيدة الحتمية لقصص الحب وأمانيها. كانت طموحات العاشقين أريكة ومدفأة، كما يرونها في أفلام القناة السادسة، وكان حلما مشروعا يجب أن يتحقق بمجرد البوح. وحتى تكتمل أركانه بالفعل، كان عليه أن يتبنى وطنا مسلوبا وقضية أممية وقصيدة لا تحدد مغزاها الحقيقي، حين يحدق الشاعر في وجه حبيبته، "فيرى زمنا قرمزيا وسببا للموت والكبرياء"، لن يعرف إن كان موجها لفتاة أم لمدينة!
 اليوم أصبح البوح بالأصوات والصور واللوحات المعلبة والشعر المسروق "بتصرف"، ومفاجآت مرتبة مسبقا لضمم ورد باهظة جدا، كان ليكفي ثمنها حذاء وحقيبة وعلبة ماكياج وزجاجة عطر، تتوزع على مناسبات شهور العام كله، وتزيد لهدية من غير مناسبة. ثم صيحات الدهشة المفتعلة والملتقطة بإتقان على "سنابشات" لعلب الشوكولاتة الملفوفة بعناية بالشرائط الملونة، لا تشبه بشيء عناية مرسلها بإظفر حبيبته المكسور، تخشى أن تشكو منه فتتهم بالتفاهة !
لا أحد يحق له أن يقف مغتاظا من الحب، لأنه مثلا لم يتلق هديته الحمراء. لكن تمثال الشمع الذي يحتفل بعيد ميلاده "المحبون" ببضع دقات على خشبة المسرح، تنفتح بعده ستارة  حمراء ليبدأ العرض أو السيرك، سيان، ثم يعلن عن انتهائه بتصفيق المتفرجين للأبطال الذين يظهرون واحدا تلو الآخر حسب أهمية دوره في المسرحية، فهذا شيء يشبه الحب من بعيد، بينه وبين مقاعد الجمهور علوا ومسافة وزمنا وصوتا مدفونا في صندوق الملقن، يذكّر الممثلين بحواراتهم المكتوبة!
 تذكروا ذلك جيدا غدا، وأنتم ترتبون هدايا اليوم وورود اليوم إلى جانب عائلاتها التي تسبقها من سنين. تذكروا كم هي تشعر بالبرد والوحدة على الرفوف وفوق الخزائن، حيث لا يطل عليها أحد بعد انقضاء مهمتها الاستعراضية، أمام جموع المعلقين والمتابعين والمعجبين برضاهم أو غصبا عنهم!
 ربما، وأقول ربما وردة أو وردتان تتنفسان الآن داخل كأس ماء، لم يطلق حاملها العنان لجيبه أو لأحلامه، لتجوب داخل أروقة سوق "الفالانتاين". كل ما أراده هو أن تسنح له فرصة ليقول "أحبك"، ولم يسعفه حظه وزمنه بأكثر من يوم واحد في السنة. إليه وإليها: كل عام وأنتما بخير معا.