شيطنة المناهج!

السلبية تطغى على كل شيء، خصوصاً في تعامل المواطن مع أي شيء من طرف الدولة. لا أظن أن هذا الأمر يمثل ظاهرة صحية، فهو يمنعنا من رؤية كثير من الإمكانيات الجيدة التي من الممكن التعاطي معها بإيجابية لتوفير أجواء أفضل للحوار والإنجاز. منذ طرح الكتب الجديدة للصفين الأول والرابع "منهاج كولينز" تم تكوين رأي عام رافض لهذه المناهج، من باب إنها غير وطنية، وأنه تم استيرادها من الخارج من دون أن تعمل إدارة المناهج على "تبييئها" لتكون صالحة للثقافة والقيم والعادات المحلية. الجميع انخرط في جدل المناهج الجديدة، وامتلأت قنوات السوشال ميديا المختلفة بحوارات عديدة، جزء كبير منها كان أشبه بـ"حوار طرشان"، تغيب فيه العقلانية لمصلحة الصراخ والاتهامية، وصولاً إلى وصمة الخيانة وهدم القيم، ومحاولات "تغريب الثقافة"، هذا من طرف معارضي المناهج، بينما يرى داعمو المناهج في المعارضين بأنهم ذوو عقول منغلقة، وأنهم لا يستطيعون رؤية ما هو حاصل اليوم عالمياً في مجال التعليم، وغير قادرين على استشراف المستقبل! الاتهامات كانت الأكثر حضوراً في هذا الجدل البيزنطي، والغائب الأكبر كانت المناهج نفسها، ومحتواها، وما هي منفعتها أو ما الذي تؤسس إليه، إن وجد، أو ما هو ضررها على التعليم والنشء، إن وجد أيضاً. بالتأكيد، هناك تحفظات مقبولة من الناس على بعض ما ورد في الكتب الجديدة، ولعلها تأتي من باب الأخطاء التي يمكن تلافيها في طبعات مقبلة، سواء كان ذلك في النص أو الصورة. لكن ما يتوجب علينا طرحة والسؤال عنه في هذا المقام، هو: هل يُعد هذا المنهاج قيمة مضافة سترفع من شأن العملية التعليمية برمتها، وتحسن من مؤشرات جودة التعليم في الأردن؟! هل ستنتهي إلى غير رجعة، أساليب التعليم لدينا، والقائمة على مبادئ التلقين الأولية، من غير أن تسهم في تحسين القدرات المهارية لدى الطلبة، خصوصاً تحفيز التفكير الناقد، والذكاءات المتعددة، وأسس التفكير المنطقي، والإبداع؟! بالنسبة لي، لا أمتلك إجابة على هذا الأمر، وقد فتشت عن إجابة في الكثير من "الحوارات المسلحة" التي دارت على السوشال ميديا، ولكنها للأسف لم تقدم لي أي شيء. وأيضاً، المسألة تتعدى البحث عن إجابة لهذا السؤال، خصوصاً أن آراء كثير من المعارضين كانت انطباعية، وتشكلت في معظمها من خلال ما تم تناقله عبر الميديا من معلومات وإشاعات، وأيضاً تقولات لا تمت إلى الحقيقة بصلة، خصوصاً أن هناك من زجّ عامداً بصور ونصوص قال إنها من المناهج الجديدة، بينما هي من كتب ومناهج في دول أخرى. في وضع كهذا، لا بد لنا من أن نعيد تقييم الأمور بموضوعية وعقلانية، وأن نلجأ إلى الحوار المباشر؛ المدافعون والمعارضون، لكي نخرج بفكرة واضحة على سؤال أهمية المناهج. ومن دون ذلك سيظل سؤال الحقيقة غائباً!اضافة اعلان