شيعة العراق متسامحون مع السنة متشددون مع ايران

شيعة العراق متسامحون مع السنة متشددون مع ايران
شيعة العراق متسامحون مع السنة متشددون مع ايران


اليوم هناك كثير من الناس في واشنطن في محيط صانعي السياسة الخارجية يعربون عن مخاوف -وآمال- من ان يؤدي تورط اميركا في العراق الى اضعاف مقدرة ادارة بوش في مواجهة سعي جمهورية ايران الاسلامية للحصول على اسلحة نووية. واذا ما اختارت ذلك فإن بإمكاننا- وهذا ما تقول النظرية- ان تحيل الحياة الى شيء صعب جدا بالنسبة للاميركيين بواسطة شبكاتها وحلفائها الشيعة في العراق. وببساطة لا تستطيع الولايات المتحدة توجيه ضربة وقائية لمرافق ايران النووية خشية ان تؤدي مثل هذه الضربة الى فتح جبهة اخرى تتمثل في فوضى يائسة في العراق حيث رفض الشيعة بأغلبية الانضمام للمقاومة السنية. ويتوجب على الادارة, والامر كذلك, ان تصبح اكثر "واقعية" وبراغماتية في تعاملها مع نظام الملالي والحذو حذو اوروبا في استخدام الجزيرة لتغيير اتجاه ايران الملالي لحيازة اسلحة نووية.

اضافة اعلان


لكن هل لهذا التعقل معنى? وهل ان العراق وايران متفقان تماماً على ان اميركا مكبلة اليدين تماما في تعاملاتها مع ملالي طهران? في كل الاحتمالات الامر ليس كذلك ابداً. وفي الحقيقية فإن التفاعل الحالي بين شعوب العراق وجارته الشرقية يجب ان يشجع ادارة بوش على ان تكون متشددة اكثر حيال تدخل نظام الملالي المتزايد في العراق وفي الحصول على اسلحة نووية.


ولعل اقوى ورقة رابحة لصالح اميركا وضد ايران هي الوطنية العراقية. فالوطنية هي بسهولة اكثر الصادرات الاوروبية للشرق الاوسط نجاحاً... اعادة ترتيب وتبعية وبعض الاحيان ازالة روابط قديمة من الترابط بين العائلة والقبيلة فشيعة العراق هم اسلاف الوطنية العراقية وهم الذين كانوا اكثر من ابناء جلدتهم العرب السنة القوة الدافعة وراء العروبة في بلاد ما بين النهرين والذين شكلوا هوية عربية عراقية متميزة عن العرب السنة غربا والشيعة الايرانيين شرقاً.


وللعراقيين الشيعة, خاصة ائمتهم, علاقة طويلة مع ايران, ومن الناحية التقليدية فان معظم الطلبة الايرانيين الواعدين دينيا ورجال الدين ايضا قد درسوا في مرجعيات النجف وكربلاء لاتفاق العربية وتفسير النصوص الدينية. وكثيراً ما صار تزاوج بين عائلات رجال دين ايرانيين وعراقيين, على الرغم من ان الزواج هذا قل كثيراً هذه الايام في مقابل ما كان عليه الحال في بداية القرن العشرين قبل ان تتولى دكتاتوريات وطنية في كلا البلدين زمام الامور وبالتالي تشكيل هويات معاصرة, والمرجع الشيعي الاعلى الامام علي السيستاني الذي يعد اعلى مرجعية شيعية في العراق- فارسي المولد وقد تلقى تعليمه الابتدائي في ايران. والكثير من المقربين اليه ومستشارين ينحدرون من اصول ايرانية وقد تلقوا تعليمهم الابتدائي في ايران. والعائلات العراقية التي كانت يوما ما ثرية تنحدر ايضاً من اصول ايرانية ولها فروع في ايران. وكما هو معروف رئيس المؤتمر الوطني العراقي احمد الجبلي سليل عائلة عراقية فارسية وهو لا ينتمي للملالي الايرانيين كما هو الحال مع معظم سنة بغداد الذين ينتمون للطبقة العليا من المجتمع.


لكن الاختلاط بين الشيعة يجب الا ينظر اليه على انه تعاطف ايديولوجي. فالعراقيون الشيعة يكنون كراهية شديدة للولايات المتحدة لاخفاق الرئيس بوش الاب في مساعدتهم اثناء ثورتهم الكبرى في عام 1991 عندما ثاروا مع الاكراد ضد نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وكان عشرات الالاف من الشيعة قد ذبحوا خلال الثورة في عام 1991 بيد ان هذه الكراهية تمتد ايضا لتشمل نظام الملالي في ايران الذي لم يفعل اي شيء من الناحية الفعلية لمساعدة "الاخوة" العراقيين.


لقد كان هناك شعور بين كثير من الشيعة العراقيين- ولم يكن في يوم من الايام اكثر بين الاشد تدينا- بأن ايران من المفترض ان تحرص على الشيعة العراقيين لمساعدتهم في اوقات الشدة كما يفعل العم مع ابن اخيه. لكن الحرب العراقية الايرانية من عام 1980 والى عام 1988 اوهنت ان لم تكن انهت هذه المشاعر. ونادرة ما كانت توجد احتجاجات على الحرب التي شنها صدام على ايران من قبل الشيعة في العراق.


ويعزو الكثير هذا الاتجاه الى الظلم البعثي المشابه للظلم الذي تحدثت عنه الروائية جورج اورويل لكن هناك ايضا حقيقة غير قابلة للانكار مؤداها ان ايا من طرفي الشيعة اراد بالفعل ان ينزف دفاعا عن الاخر. واصبحت الوطنية والعربية العصرية اكبر مكونات الهوية العراقية الشيعية.


ولا يضيع الايرانيون الكثير من الوقت في الاعراب عن خيبة املهم من العراقيين الشيعة اخذين في الاعتبار الكثير من الدمار الذي الحقته الحرب بايران وان اغلبية افراد الجيش العراقي كانوا من ابناء الشيعة وان الحرس الجمهوري السني الذي شكله الرئيس السابق صدام حسين كان في مرات عديدة على شفا حفرة من الاصطدام عندما شعر شيعة العراق بغضب صدام في عام 1991 والحقيقة التي تقال ان نظام الملالي في طهران لم يعبأ بالوضع الراهن في العراق في التسعينات, صدام ضعيف لا يقوى على غزو ايران لكنه قادر على لجم شيعة العراق وخاصة رجال الدين وجعلهم هادئين لا يقوون على منافسة الجمهورية الاسلامية.


وبالانتقال للحديث عن انتخابات الثلاثين من كانون الثاني- يناير- في العراق فإن الهدف الاولي لرجال الدين الايرانيين هو ضمان ان يبقى العراق غير مستقر وغير قادر على الالتفاف حول حكومة منتخبة ديمقراطيا. ومثل هذه الحكومة اذا لقيت دعم المؤسسة الشيعية العراقية فانها ستكون خنجرا موجها لدكتاتورية رجال الدين في طهران. فالنزاعات بين الشيعة تؤثر وهذا الخلاف بين رجال الدين العراقيين الذين يعتقدون برجل واحد وصوت واحد واولئك الذين يعتقدون بالثيوقراطية هو خلاف هائل في الرأي. ويجب علينا الا نخدع بالعلاقات العامة الودية التي توجد عادة بين رجال الدين في النجف وطهران. فموقف النجف حيال الديمقراطية هو نفي صريح لحق علي خامنئي ورجالاته في حكم ايران.
فالنظام الديني الايراني مقيد اليدين حيال عملية الديمقراطية في العراق وجدولها الزمني. وكل المجموعات الرئيسية التي تأمل ايران من خلالها ممارسة النفوذ في العراق- المجلس الاسلامي الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي اوجدته ايران وحزب الدعوة والصدريين من اتباع مقتدى الصدر رجل الدين الشاب الذي انهمك في ما يشبه الحرب مع رجال الدين التقليديين في البلد هم جميعهم ملتزمون الان بالانتخابات.


ومن المحتمل ان تكون ايران ماضية في انفاق اموال في العراق لهذه الجماعات الشيعية التي لا تكن محبة لبعضها البعض وفي حالة حزب الدعوة والصدريين فقد اختلطت اراؤهما في صورة مميزة حيال العداء والمشاعر لكل ما هو ايراني. كما ان حزب الدعوة والصدريين يقللون في صورة منتظمة من قيمة السيستاني بسبب "فارسيته", الجانبان يشعران بغضب حيال تعالي ايران في الحديث الى الشيعة العراقيين.


والدافع وراء تقديم ايران مساعدات لهذه الاحزاب هو التشجيع على نوع من الاتكالية والاكثر اهمية هو وضع اكثر المجموعات الشيعية استفزازا في الجبهة الامامية. ويعد بعض ما هب ودب من صفوف حزب الدعوة ورجال الشوارع الذين يقفون خلف الصدر مثل حزب البعث الذي جعلهم عنيفين في صورة متفجرة واشداء بسهولة وقساة مثل المليشيات البعثية والسنية التي تحاول بلا كلل تمزيق اواصر المجتمع المدني وزرع بذور نزاع طائفي.


ويشعر السنة العراقيون بقلق من احتمال بروز قيادة شيعية تقود البلاد وهو امر غير قابل للتجنب في حال مضت اجراءات الديمقراطية قدما. اما الشيعة الذين يخيفون العرب السنة فنهم في غالبيتهم من المجلس الشيعي الاعلى وحزب الدعوة والصدريون وهذه المجموعات الثلاث تعكس للسنة العرب والسنة الاكراد كثافة شيعية معينة. وبالرغم من ان هذه المجموعات الثلاث ابدت لباقة في التعامل في صورة معقولة مع بني جلديتها من السنة العرب قياسا مع تصرفات بربرية مارسها السنة العرب مع الشيعة فان عمليات الانتقام الشيعية كانت اقل في صورة مذهلة- لكن هذه المجموعات ربما تبدو للعرب السنة الشيعة الاقل ميلا نحو مسامحتهم للجرائم البعثية التي ارتكبوها.


والدعم الايراني لهذه المجموعات يزيد من تناقضات زرع بذور السياسة والنزاع الطائفي في العراق. وما يريد رجال الدين رؤيته في العراق هو شقاق يمكن ان ينتج حزب الله عراقيا. ويعد الصدريون اقرب ما يكون لحزب الله اللبناني لكنهم ليسوا مثل حزب الله لايران من الناحية الايديولوجية والتنظيمية والولائية.
وكانت ولادة حزب الله اللبناني الذي ينظر لملالي طهران له على انه اعظم نجاح خارجي- لا غير- تطلب غزوا اسرائيليا وحربا اهلية. وفي العراق يتوفر لحكام ايران الملالي غزو اميركي وما يفتقرون اليه هو اندلاع حرب اهلية.


وتحاول طهران ان تضع نفسها مع تشكيلة من احزاب متناقضة لانها لا تستطيع ان تعارض بصراحة العملية الديمقراطية في العراق والتي يجري استثمار الكثير من العراقيين الشيعة عاطفيا فيها. ومثل واشنطن فان طهران لا تعرف بالفعل ما الذي سيجري يوم الثلاثين من كانون الثاني- يناير- وبعده بالرغم من انها تأمل بلا شك في ان يمتنع السنة عن التصويت في صورة جماعية ما يتسبب في شحن الطائفية في صورة كبيرة واذا ما امكن التسبب في حرب اهلية فان التجربة الديمقراطية العراقية والمؤسسة الدينية الشيعية المعتدلة العراقية ستنهاران. واذا ما تم اسقاط الملالي اصحاب شعار رجل  واحد وصوت واحد المجاورين وامكن اسقاط اميركا مادياً ومعنويا في العراق فإن اكثر قوتين تخشيان في السياسة الايرانية- الشباب الايراني المؤهل في الغرب ورجال الدين المنشقون المؤيدون للديمقراطية- يمكن ان يزدادوا ضعفا. وكلما نزف الاميركيون في الجوار والنظام الديني يعتقد ان اميركا هي في الطريق الى ذلك في العراق فإنه من الاقل ترجيحاً ان يعمد الاميركيون الى الاحتفاظ بالارادة لنزع البرنامج النووي الايراني.
وفي العراق فانه يجب على الولايات المتحدة ان تسعى لهدفين واضحين. تدمير المقاومة السنية قبل ان تستطيع التسبب في ولادة هوية شيعية سياسية خانقة وخاصة تعمل للعرب السنة مثل ما عمل البعث للشيعة. واذا ما ولدت مثل هذه الهوية فإن الديمقراطية من غير المرجح ان تسود على الاغلب. على واشنطن والامر هكذا ان تضمن استمرار العملية الديمقراطية في العراق بغض النظر عن العنف. وطالما فعلت ذلك فان ايران رجال الدين لن تكون قادرة على ان تربح الكثير من داخل العراق. وان حزب الدعوة والمجلس الاسلامي الاعلى والصدريين ليسوا بدمى تسيطر عليهم طهران فبروز قوة قبائل الشيعة في جنوبي العراق التي تنظر بشزر من الناحية التاريخية باتجاه الملالي من اي جهة كانوا ستزيد من تعقيد تحقق الفوز الايراني.


والفرس يظهرون في العراق مثل طابع الابهام المصابة بقروح (القليل جدا من الايرانيين يستطيعون تكلم العربية دون صعوبة) ويجب ان يكون لديهم عملاء عراقيون ليحققوا مصالحهم التي هي في معظمها تتعارض مع مصالح معظم العراقيين. وتستطيع الولايات المتحدة قصف تسهيلات تخصيب اليورانيوم في ايران ومن الممكن ان يكون رد الفعل على هذا القصف في العالم العربي السني المناهض للشيعة اكثر من بين الشيعة العراقيين. وهذه المفارقة يجب ان تفهمها واشنطن واذا لم تفعل فان ثيوقراطية ايرانية مسلحة نوويا ستفوز في العراق وما بعده.