"صاحب الوجه الصبوحِ" يرحل تاركاً إرثاً غنياً بالغناء العربي الأصيل

1048287280_0_0_1901_1068_1200x0_80_0_1_c41e3148b5afa23acb290a8b65bd8881
1048287280_0_0_1901_1068_1200x0_80_0_1_c41e3148b5afa23acb290a8b65bd8881
تغريد السعايدة عمان- غاب صاحب الوجه الصبوح، الذي وقف على مسارح العالم، وحمل في نغمات صوته ذلك العبق العربي القادم من حلب، تغنى بالقدود الحلبية التي أصبحت مرتبطة بصباح فخري وفنه، وفي طريقة رقصه الظريفة على المسرح، ليرتسم ذلك الوجه الأصيل بالفن الملتزم الراقي، ما دفع الملايين عبر مواقع التواصل الإجتماعي لتقديم أعمق كلمات العزاء المواساة لعائلته، بعد وفاته صباح اليوم عن عمرٍ يناهز 88 عاماً. ولطالما ارتبط فن صباح فخري بشخصيته و"الكاريزما" التي يتمتع بها، بوقفته الصلبة على المسرح، حركة يديه، تنقله على جنبات المسرح، جمهوره المميز، الذي يبحث عن الرقي في الغناء،. وما بين الكلمات المنمقة الممزوجة ما بين التراث والموال العربي، وإمتداد الصوت الطويل، ليكون سيد المسرح في المئات من الحفلات الغنائية التي قدمها على مدار سنواتٍ طويلة، جاب بها مسارح العالم "بطولها وعرضها".

خسارة فنية كبيرة

رحل فخري، المولود عام 1933 في مدينة حلب، "بعد توقّف قلبه عن النبض" في دمشق، تاركاً وراءه عشرات المقطوعات الموسيقية والأغاني التي حفظتها الألسنة على مدار أكثر من نصف عقد من الزمن، مثل أغاني "يا طيرة طيري يا حمامة" و"يا مال الشام" و"قدّك المياس" و"قل للمليحة" وغيرها من الموشحات. وقال نجله أنس فخري لوكالة فرانس برس "في قلوبنا حزن كبير. لا أعرف ماذا أقول، إنها خسارة كبيرة للفن السوري". وشدد على أن والده "عاش كأسطورة حية والأسطورة لا تموت، وسيبقى أسطورة حلب وسوريا". ونعت نقابة الفنانين في دمشق "الفنان القدير"، مشيرة إلى أنها ستعلن لاحقاً عن تفاصيل الدفن والتشييع. في حفلاته التي جال فيها عواصم ومدن العالم، امتلك فخري أسلوباً خاصاً في إشعال تفاعل الجمهور الحاضر، من خلال رقصته الخاصة على المسرح، حيث تميّز بحركة يديه ودورانه حول نفسه، في ما يُعرف برقصة "السنبلة" في محاكاة لرقصة الدراويش.

سيرته الذاتية

وأوردت الكاتبة السورية شذا نصّار، في كتاب "صباح فخري، سيرة وتراث" أن مسيرة الراحل بدأت بتجويد القرآن والإنشاد ورفع الأذان في جوامع حلب، ومجالسته كبار المنشدين والمؤذنين. وقدّم فخري القدود للمرة الأولى من خلال أثير إذاعة دمشق وغنّى "مالك يا حلوة مالك". وقال في مقابلة أجرتها معه محطة "سي بي سي" المصرية عام ???? إن الاذاعة السورية كانت "العلامة المميزة" و"المحطة الأولى" في مسيرته، "ثم كان التلفزيون العربي السوري المحطة الثانية" وبعده "المحطات العربية في لبنان والاردن والعراق (...) وكل الدول العربية". وتراجعت الحالة الصحية لفخري في العقد الأخير، وكان مقلاً بإطلالاته الإعلامية، واقتصرت في السنوات الأخيرة على حفلات محدودة، ظهر في بعضها برفقة نجله أنس، الذي أُتهم بأنه يستغل اسم والده بعد ظهوره في إحدى الحفلات وهو بحال صحية سيئة. وشكّل "ملك القدود الحلبية" حالة طرب دائمة للسوريين، وصوتاً لا يُفارق سهرات أُنسهم وجمعاتهم الليلية. ويكاد لا يخلو منزل سوري عموماً وحلبي على وجه الخصوص من أشرطة التسجيل القديمة التي كانت تجمع أغانيه وموشّحاته. ورافق صوت صباح فخري السوريين الذين هاجروا البلاد خلال سنوات الحرب، واستقرّوا في أرجاء العالم، وافتتحوا مطاعم ومتاجر في مدن مختلفة، ويكاد يكون صوته "العلامة الفارقة والأبرز" إلى أن أصحاب هذا المطعم أو المتجر من أصل حلبي أو سوري. وقال مدير المعهد العالي للموسيقى في سوريا عدنان فتح الله عقب رحيل فخري "لم ننسَ ولن ننسى ما أثريت به موسيقانا وما حفظت لنا من تراث لنا و لأجيال من بعدنا". وحقق فخري الرقم القياسي في الغناء عندما غنى في العاصمة الفنزويلية مدة عشر ساعات من دون انقطاع العام 1968 على ما أوردت وكالة الأنباء السورية (سانا). وشغل الفنان الراحل مناصب عدة إذ انتخب نقيباً للفنانين ونائباً لرئيس اتحاد الفنانين العرب ومديراً لمهرجان الأغنية السورية، بحسب نبذة أوردتها عنه "سانا". وقلد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة العام 2007 "تقديراً لإنجازاته الكبيرة والمتميزة في خدمة الفن العربي السوري الأصيل". وفور إعلان خبر وفاة فخري شارك فنانون ومطربون وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا عبارات نعيه، وتغنّى البعض بكلمات من أغانيه مُطلقين عليه لقب "قلعة الطرب الأصيل". وكتب الممثل والمخرج السوري أيمن زيدان على صفحته على فيسبوك "كم هو موجع رحيل الكبار، ها هو آخر العمالقة يترجل عن صهوة الابداع". ووصفته الممثلة السورية أمل عرفة بـ "قلعة حلب، تاريخ لا يموت"، فيما وصفته المغنية اللبنانية عبير نعمة بـ"ملك القدود الحلبية".

رائد الغناء الشرقي الأصيل

وارتبط اسم صباح فخري  بالغناء الشرقي الأصيل، لم تغيره تطورات الفنون والألحان المهجنة، بل بقي متمسكاً بالغناء الشرقي، حتى أصبح صباح فخري والغناء العربي سيان، فهو من أشهر الفنانين اللذين حرصوا على إعادة غناء وتلحين القصائد العربية الطويلة، كما في شعر أبي الطيب المتنبي، أبو فراس الحمَداني، مسكين الدارمي، ابن الفارض والروّاس، ابن زيدون، ابن زهر الأندلسي، لسان الدين الخطيب. عُرف عن صباح فخري في الصحافة العربية، أنه شخص ذي إجابات دبلوماسية، يتمتع بالقدرة على الإجابة التي ترضي جميع الأطراف، لا يؤذي أحداً في انتقاد، ولا يخدش حياءً في وصف، لا يجيد إخفاء الأسرار، كما قال ذات حين، وإنما حياته واضحة للعيان، في فرحه وحزنه، يتقمص دور الفنان بشدة على المسرح وينغمس في الأداء، ويدور وكأنه أيقونة فرح تدور في فلك الحب والحياة، يخاطب "ربة الوجه الصبوحِ". كما يبين تاريخ الفنان صباح فخري أنه تعاون مع مجموعة من كبار الملحنين العرب مثل "فؤاد اليازجي، أنطوان شعراوي، جلال الدهّان، عبد العزيز محي الدين الخوجة، عبد الباسط الصوفي، عبد الرحيم محمود، وغيرهم الكثير". فيما تنوعت لهجته في تقديم بعض الأغاني كما في اللهجة العامية المحكية، أو اللهجة العربية السورية، وجلها من التراث العربي السوري، وكان الكثير منها باللغة العربية الفصحى، التي اشتهر بها فخري.

اضافة اعلان