صحتنا ثمن لغذاء فاسد!

لا يمضي يوم، إلا وتنهال علينا الأخبار بضبط كميات ضخمة من الغذاء الفاسد كانت في طريقها إلى الأسواق وبيوت الأردنيين، أو تلك الأخبار التي تتحدث عن إغلاق أحد المطاعم لافتقاده لأبسط مقومات النظافة، ولاحتوائه على أطعمة منتهية الصلاحية ولا تصلح للاستهلاك البشري وربما الحيواني!!اضافة اعلان
لو قمنا باستعراض بعض الأخبار خلال شهر من الآن فقط، لاستوقفنا الكثير منها كأطنان الدجاج الفاسد التي كانت ستوزع على الفقراء في شهر رمضان، مرورا بإغلاق العديد من المطاعم التي ضبطت بداخلها مواد غذائية فاسدة ومنتهية الصلاحية، تدفع ثمنها عائلات ربما أسعفها الحظ في أن ينجو أفرادها بحياتهم ويتم إسعافهم في اللحظات الأخيرة!!
في الآونة الأخيرة ازداد التنازع بين جهات رقابية حول ما يدخل بمكونات الحمص، ذلك الطبق الشعبي الذي يدخل جميع بيوتنا، وهي مادة ثاني أوكسيد التيتانيوم المسرطنة وآثارها الضارة الأخرى على المدى البعيد. في حين أكدت جهات أخرى أن تلك المادة ليست مسرطنة إن كانت بنسب معينة. جهة تؤكد وأخرى تنفي، ونحن في دوامة من أمرنا لا نعرف من نصدق، وكأن المواطن بات حقل للتجارب!!
أن نصل لهذه المرحلة فهذا أمر خطير لا ينبغي السكوت عليه، فقوت الأردنيين أمر غير قابل للنقاش، ولا ينبغي أن تمر تلك الأخبار مرور الكرام، خصوصا حين نسمع عن أفراد عائلة كاملة تنقل للمستشفى نتيجة تسمم غذائي، وأطفال يتم إدخالهم العناية الحثيثة بين الحياة والموت، كله نتيجة طمع تاجر وجشع مالك مطعم، وإهمال هنا وهناك!
هل المطلوب من أمهاتنا وآبائنا البسطاء أخذ دورات في “الكيمياء الغذائية” حتى يعلموا مدى خطورة ثاني أكسيد التيتانيوم مثلا؟! هل عليهم أن يأخذوا وجباتهم اليومية لمختبر علمي ليتأكدوا من صلاحية طعامهم وطعام أبنائهم، لأن بيننا جشعين يتاجرون بحياة الناس، ولا يأخذون عقابهم العادل والمنصف؟!
ندرك أن الجهات المعنية تقوم بإنجازات بهذا الصدد، ولكن ليس على مستوى الطموح مع ما نشاهده يوميا ونسمعه عن حجم المضبوطات من الأغذية الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك البشري. لذلك بات ملحا إعادة النظر بآليات الرقابة أولا، وبالعقوبات المترتبة على أولئك المستهترين بحياة الناس، خصوصا أن معظم المخالفات التي يتم ضبطها لا يتعدى عقابها دفع حفنة من الدنانير، أو إغلاقا مؤقتا للمنشأة التجارية، ولا يخلو الأمر من وساطات وتدخلات عدة من مسؤولين بعدم “فضح” الأمر، حينما يتعلق الأمر بمطعم “فاخر” ترتاده الطبقة المخملية!!
المخالفات الغذائية لا تتوقف على مطاعم شعبية صغيرة يرتادها محدودو الدخل، ففي بعض المحال الفاخرة ومطاعم فنادق “الخمس نجوم” تجاوزات لا تعد ولا تحصى في ما يخص الغذاء، لدرجة أن كثيرا من العاملين فيها لا يأكلون من مطابخها لأنهم يعلمون مستوى النظافة المتدني والتجاوزات التي تحصل.
حياتنا وصحتنا ليست مرهونة بمخالفات وغرامات لا تعوض عائلة عن مرض أو خسارة أحد أفرادها من طعام ملوث، فأمننا الغذائي ينبغي أن يكون أولوية قصوى، ومسؤولية الرقابة الدائمة وحماية أرواح الناس أمر لا ينبغي التهاون فيه، لذلك ينبغي أن أن ينال المتسببون والضالعون بكل ما يضر بصحتنا أعلى العقوبات ليكونوا عبرة لغيرهم.
المواطن يعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، يعمل ليل نهار ويختبر أشد الظروف صعوبة لتأمين قوته وعائلته؛ تلاحقه الضرائب وتنهشه الأسعار وتنهكه متطلبات الحياة، أفلا يستحق، على الأقل، حماية طعامه الذي يتناوله من أيدي العابثين وتجار الموت!!