صدور كتاب تحليلي حول روايات "ما بعد الحداثة" لابراهيم نصر الله

غلاف الكتاب - (من المصدر)
غلاف الكتاب - (من المصدر)

عمان-الغد- صدر عن دار ضفاف- بيروت، ودار مكتبة كل شيء- فلسطين، ودار الأمان- المغرب، كتاب "رواية ما بعد الحداثة- قراءات في شرفات إبراهيم نصر الله" للناقدين د.محمد صابر عبيد والدكتورة سوسن البياتي.اضافة اعلان
ويتناول الناقدان في كتابهما بالتحليل ثلاث روايات أصدرها إبراهيم نصر الله ضمن مشروعه الروائي (الشرفات) وهي: شرفة الهذيان، شرفة رجل الثلج، شرفة العار. وعلاقة هذه الروايات برواية ما بعد الحداثة.
وقد جاءت فصول الكتاب على النحو الآتي: العتبات النصية، مكونات السرد الروائي، البنية الروائية ومنطق التداخل الاجناسي، البنيات الأسلوبية والصياغة الروائية.
في مقدمتهما للكتاب، يشير عبيد والبياتي إلى أن روايات ما بعد الحداثة تشتغل على استغلال طاقات مغايرة لم يكن يُلتفت على أهميتها في السرد الروائي سابقاً، إذ إنها كانت توصف في عداد المهملات والثانويات التي لا قيمة لها في مثل هذا السرد كما كانت تفرضه نظم التعبير الحداثي في الفن الروائي، لذا فإن عناية الرواية ما بعد الحداثية بالهامشي والمهمل وغير اللافت للنظر إنما جاءت للخروج من هيمنة القواعد الحداثية (الصنعة)، بقوانينها الضاغطة التي لا يمكن تجاوزها أو إهمالها لأي سبب كان، على النحو الذي أصبح كل شيء في رواية ما بعد الحداثة قابلا لأن يكون جزءاً من نسيجها بشرط أن يؤدي وظيفة معينة ذات طبيعة إشكالية.
ويشير الناقدان إلى أن الشاعر والروائيّ إبراهيم نصر الله خبِر ممارسات البحث الجمالي عن الحقيقة، وما روايته ابتداء من مشروعه الفلسطيني الأول/ الملهاة الفلسطينية إلا صدى لهذا الصوت، وإذا كنا ننظر وتتخذ شرفات نصر الله الإنسان وأزماته المتكررة وصراعه مع السلطة موضوعا لها، رغم أن موضوع كلّ شرفة يختلف عن الآخر، وسيجد القارئ مع هذا الاختلاف تنوعا وتعددا في الصراع الذي يعيشه الإنسان -رجلا كان أم امرأة- وإذا كان المجتمع يشجع الأول لذكوريته فإنه يخنق طموح الثاني/المرأة بل ويتسيد عليه بحجج العادات والتقاليد وأن المجتمع يعطي الرجل ما لا يحق للمرأة، إنه صراع الرغبات وتحقيق الكينونة الأنوية والأبوية بأيّ شكل كان.
لقد جاءت "الشرفات" بعد "الملهاة" لتحقق أنموذجها الآخر عبر مستويات أخرى أكثر التحاما بالواقع وطرحت أنموذجها الروائي بكل دقة ومهارة وصنعة حاذقة، وقد حاولت هذه الدراسة أن تتعمق في هذه الثلاثية فجاءت في فصول أربعة، كل فصل تحدد بموضوع يختلف عن الآخر في أدوات اشتغاله إلا أنه يكمل الآخر في طريقة العرض وفي الاشتغال النصي على الروايات.
فجاء الفصل الأول معنيا بموضوع العتبات النصية، وهو موضوع مهم أخذ نصيبه من الاهتمام والدراسات في الآونة الأخيرة، بل ويعد موضوعا حيويا حتى أن الروائيين أنفسهم شرعوا بتأثيث نصوصهم الروائية عليها وحاولوا الإفادة منها، ابتداء من عتبة العنوان الذي يشكل ربطا أساسيا لخارج النص بداخله، مرورا بعتبة الإهداء والهوامش والإشارات والتنبيهات وصولا إلى عتبة الاستهلال ثم الخاتمة بوصفهما من العتبات المهمة التي تشتغل في السياق الداخلي لنص لا خارجه.
أما الفصل الثاني فقد اشتغل على مكونات الخطاب السردي، ونرى أن هذا التوجه مهم بما أن النص الروائي لا يقوم إلا بموازاة هذه المكونات الثلاثة: الراوي الذي يبث إرساليته الروائية إلى الضفة الأخرى المقابلة له أي المروي له، وهذه الإرسالية هي التي يمثلها المروي أو الرسالة التي يوجهها الأول إلى الآخر.
وكانت علاقة الرواية بالفنون الأخرى التشكيلية والبصرية من الأمور الأساسية التي اهتم بها الفصل الثالث، ولاسيما أن هذا الفصل يبحث عن الأساليب والأجناس المحتملة لتعامل نص كالنص الروائي معها، فاتكاء الرواية على الأخبار الصحفية واللوحة التشكيلية والصور الفوتوغرافية والتقانات السينمائية والمسرحية مكنت هذا النص من ابتكار نص آخر هو مزيج من هذه الأجناس كلها، بمعنى أننا لسنا إزاء نص روائي مجرد بل مهجن ومفتوح على الفنون الأخرى بطريقة تبقي لكل فن خصائصه وسماته، مع بقاء النص الروائي هو المتسيد والمهيمن على المستوى الحكائي.
فيما قام الفصل الرابع على المرتكزات الأسلوبية التي تحددت ببنية المفاجآت التي اشتغل عليها نصر الله بذكاء، وبنية الرسائل وهي تفتح أمام المتلقي باباً لقراءة نص آخر داخل النص الروائي، ولاسيما بعد أن تصل الأحداث إلى ذروتها وتبقى الرسالة معلقة، انتهت كتابتها لكنها لم تصل إلى المرسل إليهم، فيما جاءت بنية الأحلام مشرعة أمام الرائي ولتكون هذه الأحلام بمثابة تنبؤ قد يتحقق -في بعض منها- وقد لا يتحقق في البعض الآخر.
الروايات الثلاثة "شرفة الهذيان/شرفة العار/شرفة رجل الثلج" على هذا الأساس تنفتح على الآفاق المتاحة كلها من دون قيد أو شرط، وهذا الانفتاح الحرّ إنما هو من منجزات رواية ما بعد الحداثة التي تهشّم الثوابت المرعية في التشكيل الروائي، ولا تستجيب فنياً وبنائياً وتشكيلياً إلا إلى نزعة الحرية والمغامرة، سواء في استخدام المادة الأوليّة التي تعتمدها الرواية أو في طريقة الاستخدام وطبيعة أسلوبيته.
ورغم أنّ الروايات الثلاث استخدمت الحكاية على نحو واضح التمظهر، إلاّ أنها وضعت الحكاية في سياق ثقافي لا بنائي، أي استثمر نصر الله عنصر الحكاية بمركزيتها وطاقتها على البثّ والتفاعل من أجل رؤية ثقافية لها علاقة بمقولات ما بعد الحداثة في الفضاء الفكري والفلسفي والمنهجي، مما يجعل من عملها خارج إطار الحداثة وداخل فضاء ما بعد الحداثة في العمل الروائي المعاصر.