صدوع تمزق المجتمع الإسرائيلي

د. عبدالله صوالحه

يعتبر المجتمع الإسرائيلي من المجتمعات شديدة أو عميقة الانقسام؛ إذ هو يحتوي على أكثر خطوط الانشقاق ضراوة في المجتمعات المعاصرة التي تعمل على تمزيقها. اضافة اعلان
فالمجتمع الإسرائيلي منقسم إثنيا وطائفيا ودينيا ولغويا وثقافيا ومذهبيا. ومن خلال نظرة فاحصة إلى هذا المجتمع، نجد أننا أمام حالة من التصدع المجتمعي التي تعمل على خلق حواجز اجتماعية تجزّئ المجتمع وتقسمه إلى معسكرات مختلفة متناقضة ومتضاربة المصالح.
وهذه الصدوع هي: التصدع القومي بين الأكثرية اليهودية وبين الأقلية العربية؛ والتصدع الديني بين اليهود العلمانيين وبين اليهود المتدينين؛ والتصدع الطائفي بين اليهود الشرقيين (السفارديم) وبين اليهود الغربيين (الأشكناز)، وكذلك يهود الشرق الأوسط (اليهود المزراحيم)؛ والتصدع الأيديولوجي السياسي بين اليمين واليسار، خاصة حول مسائل الأمن والسياسة الخارجية؛ والتصدع الطبقي الاجتماعي-الاقتصادي بين الأغنياء والفقراء، وبين المثقفين والأقل ثقافة، وبين سكان البلدات الغنية والمدن الناشئة؛ إضافة إلى عدم المساواة بين الرجال والنساء.
إن التمزق الأكبر في المجتمع الإسرائيلي هو التمزق الذي أحدثته التغيرات الديمغرافية التي عملت على إعادة صياغة  وجه هذا المجتمع، بحيث خلقت نظاما لم يعد فيه ثمة أغلبية واضحة ولا أقليات واضحة؛ نظام يتألف في إطاره المجتمع الإسرائيلي من أربعة قطاعات رئيسة متباينة جوهريا، ستظل تتقارب من حيث الحجم، وهي: قطاع العلمانية الصهيونية؛ وقطاع المتدينين الوطنيين؛ وقطاع العرب؛ وقطاع "الحريديم".
تتقاتل هذه القطاعات وتتصارع فيما بينها من أجل المحافظة على الخصوصيات اللغوية والثقافية والدينية والمذهبية. وبالتالي، تنتج عن هذه التعددية تعددية قانونية داخل النظام القانوني العام، تعمل على زيادة تفكك وانشطار المجتمع. كما نتج عن هذا التوزع الخطر لمكونات المجتمع وجود تيارات تعليمية وتربوية متباينة ومنفصلة بعضها عن بعض؛ فكل طفل يولد في إسرائيل يتم توجيهه إلى واحدة من أربعة نظم تعليمية مختلفة ومنفصلة، يكون الهدف منها تربيته وصياغة وجهة نظره نحو منظومة قيمية وأخلاقية وثقافية وهوية دينية وقومية مختلفة (نظام تعليمي خاص للعلمانيين؛ نظام تعليمي خاص بالحريديم؛ نظام تعليمي خاص بالمتدينين الوطنيين؛ نظام تعليمي خاص بالعرب). بمعنى أن الأنظمة الأساسية الصائغة للوعي هي أنظمة قطاعية تعمل على زيادة تفسخ المجتمع وتعميق انقساماته.
الأثر الآخر لتلك الصدوع المجتمعية، لا يقل أهمية عن الأثر الذي خلقه التطور الديمغرافي، وهو الأثر الاقتصادي. فنسبة المشاركة في سوق العمل ومستويات الأجور تعد مجحفة بحق قطاعين رئيسين في المجتمع الإسرائيلي، سيشكلان نصف القوة العاملة في المستقبل القريب، وهما القطاع العربي والقطاع الحريدي، مما سيزيد من خطر الفقر والبطالة، ويهدد بقاء إسرائيل كاقتصاد متطور. واليوم، فإن الحريديم والعرب هم السكان الفقراء، إذ يتعلمون ويعملون بصورة قليلة. فالاثنان متشابهان في التأخر النسبي في التعليم وفي سوق العمل، على الرغم من أن الأسباب المؤدية لهذا التأخر لدى كل منهما مختلفة تماماً. فعرب إسرائيل هم الفقراء بالإجبار، لأنهم يعانون من التهميش الإقصاء والتمييز، مما لا يتيح لهم تكافؤ الفرص. فيما الحريديم فقراء باختيارهم؛ لأنهم يختارون عدم تعلم العلوم الأساسية وعدم العمل، ويستغلون قوتهم السياسية لكي يضمنوا أن الدولة ستمول أسلوب حياتهم الهدام.
أضف إلى ذلك أن هناك قطاعات فرعية داخل القطاعات الرئيسة، كما على سبيل المثال لدى المتدينين المستوطنين، تعمل على عزل نفسها، وتعتبر العامل الرئيس في نمو التطرف. ليس هذا فحسب، بل هناك حرب ثقافية تدور رحاها بين المواطنين اليهود، مظاهرها دينية وقومية وطائفية ومذهبية وسياسية، ويسود خلاف متعاظم حول قضايا أساسية ستبقى عالقة وتزيد من استفحال المعسكرات المتطرفة داخل كل مجموعة، ويتزايد العجز عن التفاهم.