صعود تركيا يترك إيران ساخطة على جوانب الربيع العربي

الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ورئيس الوزراء التركي اردوغان في لقاء سابق - (أرشيفية)
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ورئيس الوزراء التركي اردوغان في لقاء سابق - (أرشيفية)

سكوت بترسون – (كريستيان سينس مونيتور) 2/11/2011



ترجمة: عبد الرحمن الحسينياضافة اعلان

تجد إيران وتركيا، اللتان كانتا صديقتين ذات مرة، أن رد فعليهما على ثورات الربيع العربي يسوقهما إلى التضاد، ويجددان بينهما ندية إقليمية قديمة العهد. وقد اتضحت الأمارات على الانقسام المعمق من قائمة الحضور في المؤتمر الدولي حول الأمن الأفغاني، والذي افتتح في إستانبول يوم الثاني من الشهر الحالي.
وقد حضر المؤتمر كل لاعب رئيسي من 14 دولة إقليمية، بمن فيهم رئيسا أفغانستان والباكستان، بالإضافة إلى أكثر من دزينة من البلدان الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة. لكن إيران كانت قد خططت لإرسال نائب وزير خارجيتها ذي المرتبة المنخفضة فحسب، على الرغم من حدودها الطويلة مع أفغانستان، وعلى الرغم من ادعاءاتها بأنها قوة إقليمية كبرى.
لكن، وبينما عدلت إيران في آخر لحظة وأرسلت وزير خارجيتها علي أكبر صالحي، فإن التوتر الدبلوماسي يشير إلى الكيفية التي ساعدت من خلالها الانتفاضات المدفوعة شعبياً في تحويل الصداقة بين تركيا وإيران إلى تنافسية متصاعدة.
ويقول محللون إن تركيا تبدو أنها الكاسبة حتى الآن من خلال دعم النتائج العلمانية والديمقراطية في تونس وليبيا ومصر، وفي سورية بشكل خاص -حتى ولو كان بمزيد من التقصير وليس التصميم. بينما تبدو إيران في الأثناء، والتي تقدم ما هو أكثر قليلاً من حكم إسلامي غير ديمقراطي، سوية مع انتقاد لاذع للغرب، وأنها هي الخاسرة في هذه النقطة.
تدعي إيران، من خلال سوق حجة باهتة، بأن تغييرات الربيع العربي هي "صحوة إسلامية" عدلت في أعقاب ثورة إيران الإسلامية الخاصة في العام 1979. وتحاجج طهران بأن الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الحليف الوثيق في سورية، هي حالة استثنائية.
وتعمل وجهات النظر هذه، بالإضافة إلى انقضاض إيران الوحشي على الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية لديها في العام 2009، على إضعاف قبول إيران في عموم العالم العربي، حتى في الوقت الذي تكسب فيه تركيا المزيد من الإعجاب كنموذج يمزج بين الحكم العلماني الديمقراطي والاتجاه الإسلامي.
تركيا تنقل الدعم من الأوتوقراطيين إلى الديمقراطيين
ربما يكون الشقاق الناجم على نحو سريع بين الحليفين السابقين متجلياً أكثر ما يكون في سورية، حيث تعلن تركيا وإيران راهناً وجهات نظر متضادة بشكل درامي حيال الممارسات القمعية للرئيس بشار الأسد. ويوم الثلاثاء قبل الماضي، امتدح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الانتفاضة المستمرة منذ شهور في سورية، واصفا الـ 3000 شخص الذين قتلوا هناك على يد القوات الأمنية بأنهم "شهداء".
وقال السيد أردوغان: "سوف يحقق الشعب السوري النتائج من مقاومته المجيدة". وأضاف: "وسوف تظهر الديمقراطية وجهها الحقيقي في سورية. وسيحقق الشعب السوري العدالة والحرية بإرادته".
لكن تركيا، وإلى أن ضرب الربيع جذوره في الأرض في وقت سابق من هذا العام، كانت تتودد للقوى السلطوية، مع قليل من الاعتبار الظاهر لمسألة "الديمقراطية" الإقليمية التي ترعاها اليوم.
وفي العام 2009، كان الرئيس السوري ونظيره التركي قد وصفا بعضهما بعضاً، وعلى نحو عاطفي، بلقب "الأخ". وقال أردوغان أن سورية هي "وطننا الثاني"، فيما أطرى الأسد على "مستقبلنا المشترك" كنموذج "للروابط الأخوية". لكن أولوية تركيا الأولى بدت وأنها ذات مدلولات اقتصادية وسياسية لا تذعن للإرادة الشعبية.
يقول إيرسين كالايسيغلو، عالم السياسة في جامعة سابانشي في إستانبول: "لقد تعدت تركيا الحدود في صنع هذه الأنواع من الإيماءات". ويضيف السيد كالايسيغلو:"في السابق، كانت القوى الرئيسية التي دعمتها تركيا هي تلك المعادية لإسرائيل، ونسبياً القوات الراديكالية مثل حركة حماس. والآن، وفيما أصبحت الديمقراطية قوة صاعدة، تبدو تركيا وأنها تغير الأرضيات، حيث نبذت (الزعيم الليبي معمر) القذافي أولاً، ومن ثم بشار الأسد. كما دعمت أيضاً التطورات في مصر قدر الإمكان".
تركيا تنتقل وراء باتجاه الغرب
على جبهات عديدة، دفع الخطاب السياسي، بما في ذلك وجهات النظر المتشددة على نحو متزايد والمعادية لإسرائيل -دفع المحللين السياسيين الغربيين إلى التساؤل عما إذا كانت حليفة الناتو قد تخلت عن نظرتها المؤيدة للغرب لصالح الانضمام إلى محور المقاومة الذي تقوده إيران.
لكن الربيع العربي غير حسبة تركيا -وربما يكون ذلك قد لعب عاملاً في قرار تركيا في أيلول (سبتمبر) الماضي إنهاء أعوام من التردد وجر الأقدام، والقبول بوضع وحدات الرادار الأميركية المضادة للصواريخ على الأرض التركية- وهو جزء من درع صواريخ الناتو الذي يستهدف تحييد الصواريخ البالستية الإيرانية.
ويضيف كالايسيغلو أن طريقة تركيا المعدلة ليست "عدداً منسقاً من الخطوات التي تتبع بعضها البعض- بل إن هناك الكثير من الفروقات والمحاولات والأخطاء، وبعض التحركات المهتاجة التي تبدو وكأن الحكومة التركية تختبر راهناً مياهها. وقد فشلت السياسة السابقة الداعية إلى "صفر مشاكل مع الجيران" تماماً. والآن أصبحت لدينا مشاكل متصاعدة مع الجيران".
من جهتهم، انتقد المسؤولون الإيرانيون تركيا بحدة، قائلين إنها باعت نفسها للغرب. لكن استطلاعات حديثة لوجهات النظر العربية تشير إلى أن العرب لا يشترون ذلك، وأن شعبية إيران في الشارع العربي قد تدنت.
يقول السيدان تول وفاتنكا، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، في تحليلهما الذي نشر قبل أسبوعين تقريباً على موقع "طهران بيرو"، إنه "لم يُنظر إلى الثورويين والمحتجين العرب على أنهم محقون من خلال محاولة إيران التخبطية ادعاء بعض الفضل في الربيع العربي، وإنما عولت تركيا أيضاً على التغييرات الدرامية التي تحدث في الشرق الأوسط لزيادة نفوذها ومكانتها بين الجماهير العربية، على حساب شراكتها السابقة مع إيران".
ويضيفان: "لقد قتلت الأعمال التركية الأخيرة بفعالية الآن أي آمال إيرانية بأن تنضم أنقرة إلى ما يدعى معسكر الرفض المكون من إيران وسورية وحماس وحزب الله، والذي يستهدف مجابهة الغرب". بل إن تركيا أظهرت أن "مصالحها الأمنية الأساسية تستند إلى الغرب".
إيران تُركت غاضبة على الهامش
بدأت العلاقات الإيرانية التركية بالتحسن عندما ارتقى حزب أردوغان "العدالة والتنمية" ذو الجذور الإسلامية إلى السلطة في العام 2002.
وقد نظرت إيران إلى تركيا كمحاور موثوق فيها في الموضوع النووي من بين موضوعات أخرى. وفي أيار (مايو) من العام 2010، سهلت كل من تركيا والبرازيل اتفاقية مقايضة الوقود النووي مع طهران، في محاولة لوقف فرض جولة رابعة من عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
وزاد توبيخ تركيا الحاد لإسرائيل بسبب حادثة أسطول غزة في نفس ذلك الشهر، من الإحساس بأن تركيا تخرج بذلك من مدار الفلك الغربي. وكان رجال الكوماندوز الإسرائيليون قد اعتلوا ظهر السفينة الأم من أسطول يتكون من سفن تركية في جزئة الضخم، والذي كان يهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي على غزة، ما أفضى إلى مقتل ثمانية أتراك ومواطن يحمل جنسية أميركية-تركية مزدوجة.
وتبعاً لذلك، شهد التحالف بين تركيا وإسرائيل توتراً، فقطعت تركيا الروابط العسكرية، فيما جف التدفق الضخم من السياح من الدولة اليهودية إلى تركيا -ما قاد إلى مزيد من الخطاب السياسي الإيراني القائل بأن تركيا تسير في الجانب الصحيح من التاريخ.
وكانت تلك هي وجهة نظر طهران أيضاً عندما أقام أردوغان علاقة صداقة شخصية مع الأسد الذي ما تزال عائلته تحكم سورية بقبضة من حديد لأكثر من أربعة عقود.
لكن شهوراً من القلاقل التي عمت الشارع في طول سورية وعرضها، والمحاولات القمعية لسحقها والتي أفضت إلى هروب آلاف السوريين عبر الحدود إلى مخيمات في تركيا، دفعت بأردوغان إلى الإقدام في نهاية المطاف على قطع الروابط مع الأسد في أيلول (سبتمبر) الماضي.
ومنذئذ، استضافت تركيا عدة اجتماعات للمعارضة السورية -بما في ذلك واحد في إستانبول، شهد خلق المجلس الوطني السوري في المنفى في أيلول (سبتمبر)، وكان الأحدث هو توفير تركيا ملاذاً آمناً لضباط رفيعين منشقين عن الجيش السوري.
وقد استشاطت إيران غضباً، بوصفها الداعم الرئيسي لسورية في المنطقة، لكنها لم تستطع فعل أي شيء سوى الشكوى بصوت عالٍ، والمراقبة من الخطوط الجانبية، فيما يحقق أردوغان قفزة انتصار من خلال مصر وليبيا وتونس في أيلول (سبتمبر)، لتمتين الروابط مع الثوريين الجدد وللدعوة إلى "ديمقراطية إسلامية". وفي الأثناء، لم يقم المسؤولون الإيرانيون بأي زيارات عالية المستوى من هذا النوع.
يقول كالايسيغلو: "لم تبد تركيا أي اهتمام بالديمقراطية إلى أن حل صيف العام 2011 في سورية". ويضيف: "سابقاً، كان ثمة نفس النظام السلطوي (في سورية)، وكنا نتقرب بقوة منه وبلا ضرورة لذلك، ولذلك، فأنا لست متأكداً من أن الديمقراطية لعبت أي دور... وسأطرح تلك النقطة جانباً معتبراً إياها خطاباً سياسياً فارغ المحتوى والمضمون".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Turkeys rising clout leaves Iran fuming on Sidelines of Arab Spring

[email protected]