صفعة أليمة

معاريف

ايال ليفي

3/1/2016


كم كان من الصعب أمس أن لا يفكر المرء بسوء وتهالك الأرضية التي تقف عليها حياتنا هنا، حياتنا التي باتت بائسة جراء الخوف الذي يدب في قلوب الأغلب إثر العمليات الفلسطينية التي غدت تنتشر في كل البقاع والشوارع. وكم كان من الصعب أن لا نفكر في خطورة التعامل مع المعطيات المختلفة التي تحيط بنا في كل مكان، ففي لحظة واحدة تكون تحتسي الشاي الحار بهدوء، تستعد ببهجة لراحة العطلة الأسبوعية، وتخطط، وتنهك نفسك في النظر إلى خطوة إلى الأمام، لكن وبعد لحظة، بسبب ما يحدث في الشارع من أعمال تستهدف الإسرائيليين، تجد نفسك تغلق على نفسك باب منزلك، تصلي أن تمر هذه الموجة أيضا بسلام، تأخذ في مراقبة كل حركة من حولك، وتمضي في خوف وترقب.اضافة اعلان
في اللحظات الأولى بعد عملية تل ابيب التي لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع حدوثها، وبتنا جراءها نشعر كأننا نعيش وسط القدس أو الضفة الغربية كان هناك مارة من الفضوليين ممن تجمعوا قرب متجر "هسمتا"، ولكن رويدا رويدا بعد أن بدأت تتجمع الانباء عن ان المطاردة للناشط الفلسطيني مستمرة وانه يحتمل أنه يختبئ في المبنى المجاور، خلت الشوارع.
كان يمكن ان نرى فقط الاضواء الزرقاء لسيارات الامن، وكانت كثيرة. عدد لا يحصى، منها ينتشر في كل مكان، الكل يبحث، والجميع يترقب بخوف ما يجري، وكأن حالة من الرعب دبت في المكان.
ساحة إثر ساحة مر فيها رجال الوحدات الخاصة للشرطة. ومثلما في مشهد لفيلم توتر مع سلاح متحفز، واحد يغطي على الآخر وحرص على قواعد الحذر.
ينهون بيتا وينتقلون إلى آخر. وحيثما كان بيت درج مفتوح سارعوا إلى الصعود فيه والتمشيط والاستيضاح بأن كل شيء فارغ.
خلفهم، في استعراض شبه هاذٍ، وقف طابور قصير من الفضوليين، ممن ألقوا بين الحين والآخر الملاحظات. "لماذا تفحصون فقط الجانب اليميني من الشارع؟"، سأل شاب على دراجة كهربائية قائد الشرطة، "في الجانب الأيسر توجد أحلى أماكن للاختباء".
وصلنا في غضون بضع دقائق إلى ميدان رابين، الذي تحول في تلك الساعات إلى موقف كبير للسيارات. المزيد فالمزيد من سيارات الشرطة وصلت إلى هناك واستعدت لمواصلة المطاردة الليلية. لا يصدق في أي وضع هش نحن نوجد. شاب واحد، ليس أكثر، والمدينة مشلولة.
هذا المساء سادت رياح باردة في شوارع المدينة. ديزنغوف في يوم الجمعة هو بشكل عام شارع لا يمكن أن تجد فيه مكانا شاغرا للجلوس. في كل مقهى أو بار تدخله تسجل في قائمة انتظار متعبة، أما اول من أمس فكان باردا، مضنيا وفارغا.
هداس يروحام، صاحبة دكان ملابس مجاورة لبار "هسمتا" أغلقت لاحقا بسبب الاحداث. وهذا بسبب الضغط والتعب اللذين سيطرا على
 مزاجها.
"كنت في الطابق العلوي عندما سمعت إطلاق النار"، روت، "استمر هذا ثلاثين ثانية ربما، ولكن سرعان ما تفهم بان هذا ليس مفرقعات. احد ما هتف "ادخلوا داخلا"، ولكن ما يذهل هو أنه لم تكن هستيريا. هذه لم تبدأ الا بعد أن وصلت قوات النجدة".
أحد ما قال انه لو كانت مثل هذه العملية في القدس، لما نجح الناشط الفلسطيني في الفرار، ولكن تل أبيب لا تريد أن تعتاد على الوضع. هذه طبيعة مختلفة، علينا أن نقر بها، حتى ندرك حجم الخطر الذي بات يحدق بنا دون أن نأخذ بالحسبان أن المعطيات قد تتغير على أرض الواقع بين لحظة وأخرى.
"انا في الثواني إياها بالذات سألت اذا كان لدى احد ما سلاح"، روى العاد كوبي، الذي كان في وقت اطلاق النار في المقهى المجاور، "فور بدء اطلاق النار فهمت ان هذا ليس حدثا جنائيا. اردت أن اطارد الناشط الفلسطيني مطلق النار، إذ حسب غرائزي هو قطع إلى شارع غوردون". ولكن في شارع غوردون لم يعثروا على مطلق النار ولا في شبينوزا المجاور ولا في راينس ولا في ساحة بيتي الذي فتشوه لاحقا.
امس اختفت قوات الامن من الشوارع وعادت تل أبيب رويدا رويدا إلى مجراها الطبيعي، رغم أنه كان يمكن أن نسمع عن اناس فضلوا البقاء في البيت إلى أن يتبين نهائيا بأن مطلق النار غادر. وبجانب بار "هسمتا" تجمع بعض الاشخاص كي يروا المكان بأم اعينهم ويعربوا عن أسفهم.
ديزنغوف هو شارع شهد غير قليل من المآسي، ولكن مركز تل أبيب غير معتاد على هذا التوتر. أول من أمس تلقى هذا الشارع صفعة قوية علها توقظه وتوضح له - "ألو، هذا يمكن أن يحصل لك أيضا".