صفقة الحاجة الإيرانية-الأميركية

وُلدت الصفقة النووية بين إيران والولايات المتحدة من الحاجة المشتركة لها. الرئيس الأميركي باراك أوباما أراد إرثَ نجاحٍ في السياسة الخارجية. وأرادت إيران تخفيفَ ضغوطاتِ العقوباتِ الدولية التي تُعيق قدراتها على تمويل استثماراتها التوسعية والعسكرية في المنطقة، في وقتٍ تواجه فيه هذه تحدياتٍ غير مسبوقة. اضافة اعلان
يُلبي اتفاق الإطار الذي أعلنه الطرفان قبل أيام لأوباما وإيران الحدَّ الأدنى من رغباتهما إذا تطور اتفاقاً شاملًا في نهاية حزيران المقبل.
فمع اقتراب فترتي حكمه من نهايتهما، يواجه أوباما أزمة الخروج بسجل فشلٍ كاملٍ في كل الملفات الخارجية التي تعاملت معها إدارته، خصوصا في الشرق الأوسط.
في العراق، أسهمت سلبية أوباما السياسية وقراراته العسكرية في إعادة إنتاج الإرهاب بشكل يهدد الدولة بشكل أسوأ من أي فترة سابقة. عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية قتلتها إسرائيل بينما إدارة أوباما تتفرّج عاجزةً أمام تعنّت التطرف اليميني الذي يمثله نتنياهو. وأسهمت مواقف الإدارة الأميركية المترددة بدرجاتٍ متفاوتةٍ في تفاقم أزماتٍ جديدةٍ في عديد مناطق أخرى تشمل سورية وليبيا واليمن.
وهنا برز الملف النووي الإيراني فرصةً لتحقيق اختراقٍ يظنّه أوباما إنجازاً سيضيف إيجابيةً لتاريخه. لذلك سعى للتوصل لاتفاق يعالِج جوانب جادةً ومهمةً من ذلك الملف، لكنه لا يلتفت إلى غيره من السياسات الإيرانية التخريبية في المنطقة.
التقطت إيران حاجة أوباما لإبرام الاتفاق، وفاوضت بذكاءٍ مكنّها الوصول لصفقةٍ تنسجم مع أهدافٍ استراتيجية تبلورت وفق عملية إعادة ترتيب أولوياتٍ فرضتها التحديات الجديدة التي تفجّرت أمام سعيها إحالة العالم العربي منطقة نفوذٍ وسطوةٍ لها.
المقاربة التي حكمت النهج التفاوضي الإيراني في الملف النووي تتلّخص في أنّ حماية توسعيتها في جوارها العربي تتقدم مرحلياً على أهدافها النووية. من أجل ذلك تنازلت "نوويا" لتخفيف العقوبات التي حدّت من قدرتها تمويل حماية توسعيتها في سورية ولبنان والعراق واليمن.
وحققت إيران ذلك بالحد الأدنى من التنازلات. احتفظت بقدراتٍ نوويةٍ أساسيةٍ يُمكن إعادة بنائها في اللحظة التي تراها مواتية. وستحصل على أموالٍ ومساحةِ حركةٍ أوسع ستساعدها في العمل على إدامة استثماراتها التوسعية في جوارها.
فباستطاعة إيران مستقبليا إعادة الزخم لبرنامجها النووي حتى وإن ضعف تحت الاتفاق. لكنّها لن تستطيع استعادة نفوذها في سورية ولبنان والعراق بذات السهولة إن خسرته وسط عواصف الفوضى والتغيير التي تعصف بالإقليم.
الصفقة النووية جاءت منسجمةً تماماً مع الأولويات الإيرانية.  وهي لبّت أيضاً حاجة أوباما لإرث نجاحٍ يحاكي تعريفه الانعزالي للنجاح ولدور أميركا الخارجي ولمسؤولياتها إزاء الدول العربية التي يدعي أوباما أنّه حليف لها.
قد تكون الصفقة تاريخيةً من وجهة نظر أوباما. لكنّها صفقة سيئة من منظور المصالح القومية العربية.  فهي حتى وإن حاصرت البرنامج النووي الإيراني، تجاهلت تدخلات طهران الإفسادية التوسعية التخريبية في بلاد العرب، وستهيئ لها ما تحتاج من أموالٍ وقدرةٍ للتغول في نهجها الساعي للسطوة والهيمنة.
ورغم جعجعة نتنياهو، فإن إسرائيل هي المستفيد الآخر من الصفقة.
فإسرائيل تعرف أنّ إيران لم تكن يوماً خطراً حقيقياً عليها. خلافها معها نزاع مصالح محكومٌ ببراغماتيةٍ عاليةٍ، ومحاصرٌ في حدود الفائدة المشتركة من تصوير الآخر عدواً. إسرائيل توظف تضخيم الخطر الإيراني لتبرير إدامة احتلالها للأراضي الفلسطينية وابتزاز الدعم من الغرب. وإيران تستغل عدائيتها اللفظية لإسرائيل لتسويق نفسها مدافعاً عن الحق الإسلامي في القدس وتغطية عدائيتها الحقيقية للعرب.
وبالتأكيد، ستستفيد إسرائيل أكثر إذ تغرق المنطقة أعمقَ في دوامة الصراعات التي ستُؤججها إيران بعد أن تتحرر من قيود العقوبات، ويحتفل أوباما باتفاقٍ نوويٍ سيعميه، اختيارياً، عمّا ستمارسه إيران من انتهاكاتٍ جديدةٍ تُقوّض المصالح العربية وتُزعزع أمن العرب واستقرارهم.