"صفقة القرن".. بين أوهام كوشنر وحقائق الأرض!

كما كان متوقعا؛ لا تبدو الإدارة الأميركية المتصهينة ولا ربيبتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بمستعجلتين في كشف وطرح تفاصيل ما أسمياها "صفقة القرن"، حيث كان لافتا عدم تطرق عراب الصفقة جاريد كوشنر خلال كلمته الرئيسية بورشة البحرين إلى أية تفصيل أو بعد سياسي لطبيعة التسوية السياسية المطلوبة للقضية الفلسطينية، واستحوذت أوهام الرخاء والاستثمار والتنمية الاقتصادية المزعومة على الخطاب واجندة الورشة. غاب خلال الورشة وخطاب كوشنر أي حديث حول المستوطنات وحل الدولتين أو حتى حل "اللادولة" والقدس واللاجئين، ولم يحضر في الخطاب إلا "أمن" الاحتلال الإسرائيلي والتأكيد على أولويته أميركيا إضافة للتحريض على القيادة الفلسطينية، فيما عاد الأميركيون للتأكيد على هامش ورشة البحرين على أن تفاصيل "صفقة القرن" السياسية ورؤيتها لتسوية الصراع ستطرح بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية نهاية أيلول (سبتمبر) المقبل، بدعوى عدم الرغبة بالتأثير سلبا على حظوظ الإرهابي نتنياهو ومعسكره بالفوز. غياب الكشف والتوضيحات الأميركية لصفقتهم التصفوية للقضية الفلسطينية يؤكد مجددا أن الأميركيين والإسرائيليين ليسوا معنيين بالحديث والتصريحات العلنية برؤيتهم لإنهاء الصراع ودمج كيان الاحتلال بالمنظومة العربية، بل هم معنيون بالتنفيذ على أرض الواقع لخطة التصفية ومنذ وقت مبكر، ولم يتبق بالنسبة لهم، غير التوقيع وقبله إخراج اقتصادي وتسويق وعود وأوهام بالرخاء والازدهار الاقتصادي للشعب الفلسطيني والشعوب العربية المحيطة بفلسطين. بات واضحا للجميع أن تنفيذ صفقة التصفية للقضية الفلسطينية وللحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني يجري على قدم وساق على أرض الواقع ومنذ تسلم إدارة ترامب اليمينية المتصهينة سدة الحكم، حيث سعت وتسعى هذه الإدارة إلى إغلاق الملفات الرئيسية للصراع وإزاحتها عن طاولة المفاوضات عبر قرارات وإجراءات حقيقية على الأرض بهدف فرض أمر واقع يسحب البساط من تحت أقدام الجانب الفلسطيني والعربي والدولي لقبول خطة التصفية وشروط الاستسلام الأميركية والاسرائيلية. الصفقة الأميركية بدأت عمليا بقرار نقل السفارة الأميركية الى القدس والاعتراف بالمدينة المقدسة "عاصمة موحدة" للكيان الصهيوني بالضد من قرارات الشرعية الدولية. وبدأت ايضا باستهداف الإدارة الأميركية لوكالة "الأونروا" المظلة الدولية للاجئين الفلسطينيين وتجفيف مصادرها المالية ومحاربتها وقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني، وأيضا بالاعتراف الأميركي الأحادي والمخالف للقرارات الدولية بالجولان العربي السوري المحتل كجزء من كيان الاحتلال. كما بدأت بالتراجع العملي بالموقف الأميركي عن حل الدولتين كسبيل وحيد لحل الصراع، واستبداله بمفهوم مسخ لكيان فلسطيني بلا سيادة ولا أرض ولا حق عودة ولا مستقبل. بينما بدأت ماكينة الإدارة الأميركية بالتسويق والتمهيد لقرار قد لا يكون بعيدا باعتراف أميركي أحادي جديد بشرعية المستوطنات الإسرائيلية وبحق كيان الاحتلال بضمها له ما يفضي عمليا إلى وأد أي فرصة أو حديث عن إمكانية قيام كيان فلسطيني تحت أي مسمى أو لافتة! لم يعد أحد في المجتمع الدولي متشوقا بانتظار كشف الإدارة الأميركية لتفاصيل صفقتها غداة الانتخابات الاسرائيلية القادمة، فالصفقة ومحاورها السياسية باتت واضحة المعالم وتنفذ على الأرض باندفاع وعدم اكتراث بمواقف هذا المجتمع الدولي ولا بمواقف أصحاب القضية من عرب وفلسطينيين، كما لم يعد خافيا حجم الإنجاز الأميركي والإسرائيلي بمحور السعي لدمج كيان الاحتلال بالمنظومة العربية الرسمية. إلا أن ما لم تستطع قراءته وفهمه الإدارة الأميركية هو أن كل قوى الأرض ومغرياتها لن تستطيع دفع الشعب الفلسطيني والعربي للاستسلام والتنازل عن حقوقه الثابتة والتاريخية بأرضه ووطنه، وأنها لن تجد قائدا فلسطينيا واحدا يمكن أن يوقع على وثيقة التنازل والبيع، وأن جذوة النضال والتضحية والمقاومة الوطنية لا يمكن أن تخبو لدى هذا الشعب الفلسطيني ولا لدى أمته العربية فالصراع مع الأمة صراع وجود لا حدود!اضافة اعلان