صفقة القرن ثانية

حلّ علينا رمضان ببركاته وعباداته وانشغالاته ومسلسلاته واستهلاكاته وأحاديثه وتحليلاته. ومن المقرر خلال شهر أن "صفقة القرن" سوف تنشر على عباد الله المنتظرين، وسنرى أي محتويات تفصيلية ستشملها. من الواضح أن هنالك ثلاث فرضيات يجب أن نتعامل معها قبيل نشر محتويات صفقة القرن. الأولى تتعلق بنسبة الأراضي الفلسطينية التي سوف تعرض على الفلسطينيين لتشكل جزءاً من كيانهم أو دولتهم. ويدخل ضمن هذه الفرضية السؤال عما إذا كان قطاع غزة سيكون جزءاً منفصلاً أم موحداً مع أراضي فلسطين في الضفة الغربية. الفرضية الثانية تتعلق بالقدس. ومن الواضح أن قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وكذلك سحب تمويله للسلطة الفلسطينية يأتي بعدما رفضت السلطة الفلسطينية قرار ترامب بنقل سفارته من تل أبيب إلى القدس، هو تأكيد لاسرائيل من قبل الولايات المتحدة بأن القدس ستبقى عاصمتها، وكذلك ايقاف ترامب تمويل "الاونروا" لتطمين اسرائيل بعدم تفعيل حق العودة للفلسطينيين الى اراضي 1948. الفرضية الثالثة والمهمة هي مواقف كل من السلطة الفلسطينية وحركة حماس والأردن ومصر من مضمون الحل النهائي للقضية الفلسطينية. فيما يتعلق بالأولى، الواضح أن الصفقة لن تَعرِض على الفلسطينيين كامل الضفة الغربية، بل سيقضم جزء منها يكون في حده الادنى شاملاً لأحياء في القدس الشرقية وسيعترف بهذه الفرضية في حده الأدنى القدس العربية وأحياء في القدس الشرقية، وسيُترك لليهود الإشراف على حائط البراق، وحرية الصلاة فيه. وحتى الآن، فإن الجانب الأميركي لم يقل شيئاً حول نية نتنياهو ضم المستوطنات إلى إسرائيل وعما اذا كان سيعاملها الرئيس الأميركي معاملة الجولان المحتلة حينما سارع للاعتراف بسيادة إسرائيل عليها وهي محتلة بالقوة والحرب. بالطبع هنالك أطماع حكومية إسرائيلية ليس فقط في ضم المستوطنات في الضفة الغربية، بل وفي ضم أراضٍ من المنطقة الثالثة (C)، وهي أراضٍ أميرية في معظمها، ولكن هذا الموقف الإسرائيلي ربما لا يكون منسجماً مع الصفقة التي سيتقدم بها كوشنر وجرينبلات وغيرهم. أما الفرضية الثانية فهي القدس. وحسب اجتهادي مما يطرح من تسريبات حتى الآن، فإن الإدارة الأميركية لم تعترف بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية صراحة، فالرئيس الأميركي لم يستخدم كلمة القدس عاصمة إسرائيل الموحدة، بل هذه المفردة استخدمها "نتنياهو". أما "ترامب"، فقد استخدم اصطلاح القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل. كذلك، فإن ترامب الذي قطع المعونة الأميركية السنوية عن الأونروا، كخطوة نحو محاصرة حق العودة للاجئين قد اكتفى بسحب المعونة لأن حق العودة هو حق مشروع وراسخٌ في القانون الدولي. ولكن الإدارة الأميركية، وبدعم اللوبي الموالي للحركة الصهيونية، تعلم أن أي حل لا يعطي الإسرائيليين عاصمة في القدس (بجناحيها الغربي والشرقي)، أو يعطي في نفس الوقت حق العودة لكل لاجئ فلسطيني يرغب في العودة، لن يكون مقبولاً لأي طرف إسرائيلي يسارياً كان أم يمينياً. ولذلك، فإن النموذج الأميركي، يدعو إلى دعوة الفرقاء للتفاوض على الأرض الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية بسيادة مستعادة على معظم أراضي الضفة الغربية بالتدرج هو ما قد يفكر به الأميركان. ومقابل الرفض الإسرائيلي لأي حل نهائي لا يعترف بالقدس عاصمة لهم ولا بحق العودة للاجئين إلا ضمن أعداد محدودة، يثور السؤال وما هي المواقف العربية مقابل ذلك، والتي يعلم الأميركان أن الجانب العربي، وبخاصة فلسطين والأردن ومصر لن تقبل أي سلام بدونها. الرئيس محمود عباس ورئيس حماس متفقان على رفض الصفقة بدون استعادة كامل الضفة الغربية وقطاع غزة بما في ذلك الحدود البحرية والجوية، وتثبيت العاصمة الفلسطينية في القدس وتطبيق القرار (194) المتعلق باللاجئين في حق العودة و/أو التعويض، فإن الصفقة لن تُقبل. الموقف الأردني بعد لاءات الملك عبدالله الثاني واضح كل الوضوح. ولذلك، فإن الأردن لا يقبل التنازل عن الوصاية الهاشمية في القدس، ولا باستيعاب اللاجئين، ولا بالأردن وطناً بديلاً. أما باقي النقاط المتعلقة بالأرض الفلسطينية وحقوق اللاجئين وغيرها فإن الأردن يقف داعماً للفلسطينيين لتحقيق دولتهم المستقلة والقابلة للحياة وعاصمتها القدس. كذلك، فإن مصر ترفض رفضاً قاطعاً كل ما ينشر عن تنازلات في سيناء لتوسيع قطاع غزة، وهي مثل الأردن تساند الموقف الفلسطيني بالكامل. وماذا لو لم تكن صفقة القرن كذلك بل اسوأ، فهل نحن جاهزون لما سيأتي من ضغوطٍ أم أننا بحاجة لبناء موقف أردني مصري فلسطيني موحد تنضم إليه الدول العربية التي تتبنى نفس الموقف، خاصة وأن تحالف ترامب/نتنياهو ربما يمتد لخمس سنوات قادمة.اضافة اعلان