صفقة القرن وأوهام الاستسلام الفلسطيني!

كثيرٌ من المؤشرات تشير إلى أن إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية تتجهان إلى محاولة فرض ما سمّي بـ"صفقة القرن" الكارثية لحل القضية الفلسطينية بما يصب في صالح كيان الاحتلال ويهودية الدولة، والسعي لقضم ما تبقى من حقوق فلسطينية تقرها الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي. اضافة اعلان
ما يشجع إسرائيل وإدارة ترامب المتصهينة هو تمرير القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان المحتل رغم المعارضة السياسية الواسعة عالميا، لكنها معارضة بقيت دون أنياب فاعلة.
أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات كشف قبل أيام ملامح مؤامرة "صفقة القرن" الأميركية التي يسعى لها ترامب ونتنياهو، بل ويسابقان الزمن لفرضها وتمريرها، في استغلال بشع للوضع العربي والفلسطيني البائس وللانحياز الأميركي الفاقع لإسرائيل، في ظل الحكومة اليمينية الهوجاء لترامب. وفي الأنباء فإن نتنياهو يستعجل الأميركان لطرح وصفتهم للحل المزعوم للقضية الفلسطينية.
ما كشفه عريقات عن إملاءات الصفقة الأميركية "تتمثل بإسقاط ملف القدس وإعلانها عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، وتجفيف تمويل الأونروا تمهيدا لتصفية قضية اللاجئين". كما تتضمن سعيا أميركيا وإسرائيليا "إلى ضم الكتل الاستيطانية، وإعلان السيطرة على حدود طول نهر الأردن والمعابر والمياه الإقليمية والأجواء وهو ما يعني تكريس مبدأ الابرتهايد الدولة بنظامين"، وتصادر إملاءات الصفقة السيادة كاملة عن الدولة الفلسطينية الموعودة، وتبقيها كيانا هلاميا دون أمن وسيادة وحدود وتابعا لإسرائيل.
الصفقة الأميركية عمليا تتراجع عن حل الدولتين وتنحاز باتجاه الدولة الواحدة مع بقاء كانتونات فلسطينية معزولة وطاردة للسكان، وتذهب في مراميها أيضا إلى إقامة "سلام" وتطبيع، وربما نوع من التحالف، مع الفضاء العربي الواسع!
السؤال؛ هل يمكن لمثل هذه الصفقة المؤامرة على الحقوق العربية والفلسطينية أن تمر وتجد طريقها على الأرض؟! استعراض الخريطة السياسية على المستوى العالمي والإقليمي، تشير إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن توفرا الفرص والضغوط الكبيرة في محاولة فرض مثل هذه الصفقة، وقد بدأت إرهاصات ومقدمات هذه الضغوط والجهود بالاعتراف الأميركي الأحادي بالقدس عاصمة للكيان المحتل، وبتقليص الحصة الأميركية بموازنة "الأونروا" لهدف معلن هو الوصول إلى إلغاء هذه المنظمة وولايتها على اللاجئين الفلسطينيين، تمهيدا للانقضاض على حقهم التاريخي بالعودة والتعويض وفق القرارات الدولية.
كما تبدو المقدمات، في هذا السياق، واضحة في محاولات قلب أولويات الصراع والتحديات في الإقليم باتجاه تقديم إيران كعدو أساسي، بل وربما الوحيد للمصالح العربية، الذي يمكن أن الالتقاء تجاهه مع أميركا وإسرائيل! في عملية تزييف وتضليل تاريخية وسياسية كبرى.  
هذا على الجانب الأميركي الإسرائيلي، أما على الجانب الدولي فثوابت القانون الدولي ومواقف المجتمع الدولي، سواء الأمم المتحدة أو الأوروبيون والروس والصينيون وأغلب الدول، كلها تصب في التجريم القانوني للاحتلال الإسرائيلي، ورفض بقائه وضرورة الوصول إلى حل الدولتين وفق قرارات مجلس الأمن الدولي. هذا الموقف الدولي المتقدم المنسجم مع الشرعية الدولية يمكن المراهنة عليه عربيا وفلسطينيا، لكن على شرط تسلح القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير بصورة أساسية والعرب بصورة عامة، بالشرعية الدولية ورفض أية صفقات أو تسويات تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين وإنهاء الاحتلال.
على الجانب العربي الفلسطيني، فإن موقف الشعب الفلسطيني وقيادته اليوم يبدو موحدا وصلبا برفض الطروحات الأميركية وصفقة ترامب وسياسته تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما يعزز من فرص فشل تلك الصفقة وعدم تمكين الولايات المتحدة وإسرائيل من نيل مباركة ودعم دولي وعربي لمثل هذه الحلول المؤامرة. ولأن أكبر عائق أمام أميركا وإسرائيل اليوم لتمرير الصفقة المؤامرة هو الموقف الفلسطيني، فالمتوقع أن تتكاثف الضغوط وعمليات الخنق السياسي والمالي والعسكري للفلسطينيين والسلطة الفلسطينية لكسر معارضتهم وجلبهم صاغرين للصفقة.
رغم سوداوية الظروف والاختلال الصارخ لموازين القوى، فليس غير الواهم من يعتقد أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يركع ويوقع على صفقة مؤامرة تصادر حقوقه وأرضه وكل تضحياته ونضالاته وصموده.