"صفقة غزة" ضرورة إنسانية وهزيمة سياسية؟

لمسألة الوصول لأي اتفاق تهدئة أو هدنة في غزة مع الإسرائيليين، وجهان؛ الأول أنه ضرورة ملحة إنسانياً، والثاني أنّه هزيمة سياسية لحركة "حماس" وللشعب الفلسطيني. ولكن يمكن تقليل حجم الهزيمة، وربما تحويلها لمكسب صغير، إذا حدثت تنازلات فلسطينية-فلسطينية.

اضافة اعلان

لا شك أنّ الوضع الإنساني والحصار لا يتركان لأهالي غزة مفرا من قبول أي تسوية ممكنة، بسبب حالة الضغط التي يعيشونها والتي تهدد استمرار الحياة الإنسانية، فضلا عن ضياع العمر والمستقبل. ولكن من الناحية السياسية، يكفي العودة لمقابلة مستشار الرئيس الأميركي، جاريد كوشنير، في صحيفة القدس، في 24 حزيران (يونيو) 2018، عندما قال "أعتقد أن الشعب الفلسطيني أقل اكتراثا في نقاط الحوار بين السياسيين وأكثر اهتماما ليرى كيف ستوفر هذه الصفقة له وللأجيال المستقبلية فرصا جديدة، والمزيد من الوظائف ذات الأجور الأفضل وآفاق الوصول إلى حياة أفضل". طبعا في وضع غزة الأمر أكثر سوءا وإلحاحاً، فالأمر ليس فرصا وأجورا أفضل، بل متطلبات الحياة الإنسانية. بكلمات أخرى يمكن أن نتخيل كوشنير يقول "أعتقد أن أهالي غزة أقل اكتراثاً في نقاط الحوار بين السياسيين وأكثر اهتماما ليرى كيف ستوفر هذه الصفقة لهم متطلبات الحياة الأساسية، وتوقف أزمتهم". طبعاً هذه الجملة لم يقلها كوشنير، ولكنها ذات روح جملته في مقابلة "القدس".

عندما قامت "حماس" بما أسمته الحسم العسكري العام 2007، في غزة، كانت تراهن على أمرين على الأقل؛ الأول أنّ الضفة ستلحق غزة، بشكل أو آخر، وحتى بعد سبع سنوات من الانقسام، على الأقل، كانت "حماس" تتوعد بتكرار السيناريو في الضفة، كقول محمود الزّهار، في حفل انطلاقة "حماس" العام 2014، "كما حررنا غزة وأقمنا فيها سلطة وطنية حقيقية، وكما صنعنا فيها جيشا منتصرا، سنكرر التجربة نفسها في الضفة الغربية". وقد فشل هذا الرهان. والرهان الثاني، أنّ "حماس" ستستطيع فك الحصار، عن غزة، وتحظى باعتراف عربي ودولي، إن لم يكن رسمياً، فباعتبارها سلطة أمر واقع، وحتى هذا لم تنجح به "حماس".

عدا هذين الأمرين، ربما كان بعض أنصار "حماس" يعتقدون أنّه يمكن القول إنّ هذه السيطرة والسلطة، مدخل لخطوات إضافية على طريق تحرير فلسطين.

جل ما تطرحه السلطات الإسرائيلية الآن تخفيف الحصار، مقابل وقف الاحتجاجات عبر الحدود، والحديث عن مساعدات ومشاريع اقتصادية، سيكون قمة السذاجة والسطحية، أن يعتقد أحد أنها ستتعدى تحسينا نسبيا للوضع الإنساني، وأنها ستوصل القطاع لشيء حتى بمستوى الضفة الغربية (الضعيف بحد ذاته)، ناهيك عن خيالات النمو والنماء، على غرار "سنغافورة". وبالتالي ما هو مطروح في غزة، هو ما طرحه كوشنير، ومن الناحيتين السياسية والأمنية هو الهدوء مقابل الهدوء.

ما يحدث هو تنازل من قبل حركة "حماس" عن كل شيء سياسي تقريباً، خصوصاً ما كانت تسعى له العام 2007، وستجد نفسها مطالبة بالإجابة عن أسئلة، لماذا لم يجر تقديم هذه التنازلات، العام 2006؟ ما الذي تحقق من 2007؟ ما نتيجة حكم 11 عاما في القطاع؟ سياسياً وإنسانياً؟

إذا كان المطروح هو الوقف الرسمي للمقاومة بكل أشكالها حتى على غرار مسيرات العودة، السلمية، مقابل التهدئة وتقليص الحصار، أليس الثمن السياسي الذي ستدفعه "حماس" ذاتها أقل كثيراً، إذا سمحت للحكومة الفلسطينية، في رام الله، أن تتولى هي كل شيء في القطاع، حتى التهدئة؟

أليس مكسباً سياسياً للفلسطينيين، أن تتولى حكومة موحدة، ترتيب شؤون التهدئة والهدنة؟ وتصبح هي المسؤولة؟ وبالتالي يبدو الفلسطينيون في موقع قوة؟

بمجرد استلام حكومة فلسطينية رسمية، معترف بها دولياً، كل مهام قطاع غزة الاقتصادية، والأمنية، والمالية، والخدماتية، سيكون الحصار قد تراجع كثيراً، وسيتحقق للقطاع من "تنازل" يقدم للفلسطينيين أكثر بكثير مما سيتحقق من التنازل للإسرائيليين. في المقابل، من المهم أن تسارع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لتسهل على "حماس" مهمة التنازل الداخلي بدلاً من التنازل مع الإسرائيليين، بإبداء مرونة في ترتيب الوضع المقبل.