صفقة نتنياهو- ترامب

بالرغم من أن الذي أعلن ما يسمى بصفقة القرن هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أنه ليس سراً أن الذي أعد الخطة بتفاصيلها وخرائطها هو نتنياهو وفريقه وأن كوشنر وفريقه حملوها للرئيس ترامب. الخطة ترجمة لسياسة نتنياهو واليمين الإسرائيلي. ولكن من باب الكياسة والأدب، فإن ترامب هو الذي أعلن الخطة والذين تابعوا المؤتمر الصحفي لا بد أنهم لاحظوا وقوف نتنياهو. بجانب ترامب وأن الأخير كان ينظر لنتنياهو بين فينة وأخرى للاطمئنان على رضى عراب هذه الصفقة. عادة قضية بحجم القضية الفلسطينية يحمل ملفها وزارة الخارجية أو البيت الأبيض واللذان لم يكن لهما دور واضح بتطوير هذه الخطة. فقط ظهر ترامب ونتنياهو والسفير الأميركي في إسرائيل هم الفريق الذي أخرج هذه الخطة للنور في غياب تام للجانب الفلسطيني خلال العامين اللذين تم التحضير خلالهما للخطة ودون استشارتهم لاحقا أي أنه الفريق الثاني أو الطرف الثاني والمفروض أن يكون شريكا للصفقة لم يكن حاضرا بأي مرحلة من مراحل هذه الخطة من التحضير للإعلان.اضافة اعلان
كذلك الخطة والتي لا تشكل سوى قائمة التمنيات لليمين الصهيوني ليست سوى غطاء لشرعنة الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ الخطة الإسرائيلية والتخلص من المشكلة الديموغرافية التي يمثلها الصمود والوجود الفلسطيني في الضفة الغربية. ولكن هذه المرة بإضفاء غطاء شرعي أميركي وعربي لحد ما. الخطة وعدت الفلسطينيين بدولة فلسطينية ولكن ليس فقط إذا وافق الفلسطينيون على الخطة التي أعطت القدس كاملة لإسرائيل وغور الأردن ونزعت السيادة عنها بل إنها أيضا تعتمد على سلوك الفلسطينيين في الفترة القادمة والتي من أهمها أن تعترف السلطة بيهودية الدولة الإسرائيلية وأن تثبت حسن نواياها في محاربة الإرهاب ووقف ما يسمى بالتحريض ضد إسرائيل من قبل الفلسطينيين. بعبارة أخرى، لو أن القيادة الفلسطينية وافقت على الخطة بكامل تفاصيلها وتم تقييمها بأنها لم تحارب الإرهاب أو لم توقف التحريض ضد إسرائيل، فإن الدولة الفلسطينية لن تقوم وبذلك تكون إسرائيل قد نجحت في تحميل الفلسطينيين عدم قيام الدولة الفلسطينية.
بالإضافة لذلك، فإن توقيت الإعلان عن الخطة الجاهزة منذ ما يقارب العام لا يقل ريبة عن محتواها، فهي تأتي قبل شهر من الانتخابات الإسرائيلية وفي وقت يواجه كل من ترامب ونتنياهو مشاكل مع القانون في بلدانهم. الرئيس ترامب يواجه إجراءات عزله في مجلس الشيوخ الأميركي بتهمة خرقه للدستور الأميركي وكذلك نتنياهو يواجه تهم الرشوة والفساد وبالتالي فإن إعلان الخطة بهذا التوقيت يهدف لصرف أنظار الرأي العام الأميركي والإسرائيلي عن مشاكل كل منهما وتندرج في دعمهما بالحملة الانتخابية التي يخوضها كل منهما في بلاده.
هناك مجموعة من العوامل تضاعف خطورة هذه الخطة في هذه المرحلة وهي:
أولاً: الضعف الشديد لدور الأمم المتحدة في حل الخلافات والنزاعات الدولية وتفرد الولايات المتحدة بالملف الفلسطيني منذ فترة طويلة. إن دور الأمم المتحدة كمرجعية في غاية الأهمية وذلك لوجود عشرات القرارات من الأمم المتحدة التي تؤكد على أن إسرائيل دولة محتلة ولكن ما قامت وتقوم به إسرائيل والولايات المتحدة هو مخالف للقانون الدولي ولكافة القرارات والاتفاقيات المرتبطة بالقضية الفلسطينية. وبالرغم من أن العديد من الدول المهمة والفاعلة في الأمم المتحدة والتي تعارض هذه الخطة هي غير قادرة على مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل وان الرصيد الدولي للقضية الفلسطينية لم يُسخر لدعم حقوق الشعب الفلسطيني وخاصة في الجانب السياسي.
ثانيا: انهيار المنظومة العربية بالكامل والتي كانت تشكل دعما سياسيا وحتى ماليا للفلسطينيين في مواجهة إسرائيل وخاصة الاجماع العربي على المبادرة العربية للسلام والتي تم دفنها مع ما تمخض عنه الربيع العربي لا بل الأخطر من ذلك هو تبدل الأولويات في المخاطر لدى بعض الدول العربية والتي قادها للتحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل لمجابهة الخطر الإيراني بحيث لم تعد إسرائيل تشكل خطراً على هذه الدول من منظورها ودعم بعض هذه الدول لتوجهات أميركا حول القضية الفلسطينية ودعم خطة ترامب من قبلها وبالتالي إضفاء الشرعية على هذه الخطة وعلى الإجراءات الإسرائيلية بقصد أو غير قصد. وإذا ما استثنينا الأردن الذي ما يزال متمسكا بالحل السلمي الذي يستند على الشرعية الدولية وحل الدولتين، فإن غالبية الدول العربية لم تعد ترى القضية الفلسطينية أولوية لها.
ثالثاً: وقد يكون الأخطر، هو استمرار الضعف الرسمي الفلسطيني واستمرار حالة الانقسام الفلسطيني المكلف جدا على الفلسطينيين واستمرار القيادات الحالية التي تحولت من قيادة الثورة إلى قيادة السلطة بالرغم من فشل استراتيجيتها السلمية في حالة السلطة أو المقاومة في حالة حماس. بالرغم من العلم المسبق للقيادة الفلسطينية، فقد جاء الرد الرسمي دون التوقعات ولولا الرد الشعبي والجماهيري للشعب الفلسطيني والكبير في الضفة والقطاع، لكانت بيانات الرفض الرسمية باهتة أكثر، ليس من المبالغة القول إن دفن صفقة القرن يبدأ في فلسطين دون غيرها ولكن مع الدعم العربي الشعبي والرسمي لصمود الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين.
إن مقاومة صفقة القرن وإفشالها ليس مستحيلا ولكنة يتطلب أن تتحمل القيادة الفلسطينية مسؤوليتها التاريخية والمتمثلة بإنهاء الانقسام الفلسطيني الفلسطيني أولا والشروع بوضع استراتيجية متكاملة على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي على المدى الطويل. دون ذلك، فسوف تمضي إسرائيل بتنفيذ مخططاتها لتصفية القضية الفلسطينية.