صمت مريب ومقلق

الربط بين الإصلاحين الاقتصادي والسياسي ضرورة، تحديدا حينما يقوم "الاقتصادي" على قرارات كثيرة غير شعبية، ترتكز على سلسلة طويلة من زيادات الأسعار والتخلص من الدعم، ستؤثر بشكل كبير على شرائح واسعة من المجتمع، لاسيما تلك الواقعة ضمن طبقات الفقراء ومحدودي ومتوسطي الدخل.اضافة اعلان
ومن يظن أن الفصل ممكن بين الإصلاحين مخطئ، وغير مدرك لتبعات ذلك. فالمضي في تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الوطني قسرا، وبدون مستوى مقبول من الإصلاح السياسي، يعني بالضرورة مزيدا من الاحتقان وعدم الرضا؛ فالإصلاح السياسي عماد نجاح الإصلاح الاقتصادي، وتحقيق الثاني بحاجة إلى استعادة شرعية السلطتين التنفيذية والتشريعية، بما يساعد على تمرير الأجندة الاقتصادية.
صحيح أن انتهاك الكرامة وحقوق الإنسان والقهر كانت عنوان الربيع العربي، بيد أن ما حدث من صحوة ارتبط بشكل وثيق بأسباب اقتصادية، ولم يكن لأسباب سياسية بحتة. فالحرية والتخلص من القمع، وتحقيق الديمقراطية مسائل في غاية الأهمية، بيد أن الجوع والفقر والبطالة، وانحطاط المستوى المعيشي، وتفشي الفساد، كلها أسباب دفعت إلى المطالبة بالتغيير، ما يعني أن دوافع الربيع في عمقها اقتصادية.
في الأردن، جاء الربيع مريحا وتدريجيا لناحية المطالب والاستجابة. وبعد أشهر من الأخذ والرد، وصلنا الى حالة استعصاء، أخطر أعراضها حالة الإنكار والانفصال عن الواقع، وعدم إدراك أهمية الإصلاح السياسي الجذري القائم على فهم عميق للمبادئ التي خرج الناس لأجلها.
خطورة حالة الفصام تكمن في التقليل من تبعات وآثار المماطلة والتسويف في تحقيق المطالب الإصلاحية، وفي هذا مجانبة لحقيقة للواقع، إذ يمتلئ المسؤولون بالرضا عما أنجز، فيما الناس حائرون وغير راضين.
منذ البدء، قيل إن "نفس الدولة طويل"، وهو ما حدث فعلا، وأدى إلى تراجع أعداد المطالبين بالإصلاح. لكن ذلك لا يعني، بالضرورة، أن الشارع راض عما تحقق، ولا يعكس رضا شعبيا على الأوضاع السياسية والاقتصادية، بل لربما يعبر عن حالة رفض مجتمعي وقنوط ويأس حيال كل ما جرى.
المشهد المحلي تطور خلال فترة العام ونصف العام الماضية بشكل كبير، حتى وصل البلد إلى نقطة تجاذب "قسمت العرب عربين"، ودخل الفرقاء في صراع ليس له أول من آخر، بدءا بالتجاذب على قانون الانتخاب، وتلا ذلك التسجيل للعملية، وعقب ذلك نحن بانتظار معركة المشاركة في الانتخابات.
المشكلة هي أن التجاذب بين فريقين ثابتين معروفين، ويقوم على الصراع الأزلي بينهما، فيما غالبية المجتمع تراقب وتتابع صراع الأقوياء، أحيانا باكتراث ومرات كثيرة بلا اكتراث. والبقاء على هذا المنوال لا يقدم ولا يؤخر، ولا يعبر عن أعماق الأغلبية التي عادة ما تضيع بين المتنازعين على السلطة.
وفي غمرة الانشغال في قضايا فرعية، غُيبت القضايا الأكثر أهمية، وتناسى الجميع كل السلبيات الأخرى، ومفاصل التقصير الرسمي في التعاطي مع آمال وطموحات وتطلعات الشارع، وتحديدا ما يتعلق بملف محاربة الفساد الذي أيقظ الناس في الماضي، وها هو يلوح من بعيد مهدداً الحاضر والمستقبل.
الظاهر للعيان أن غالبية الشارع تظهر عليها علامات عدم الاكتراث، وما تزال منشغلة في تأمين لقمة العيش، والسؤال المهم والاستراتيجي: هل هذه الصورة حقيقية، وهل تعكس بالفعل ما يفكر فيه المواطن؟
ولربما يفهم من حالة الصمت العام أن المجتمع راض وسعيد بالنهاية التي رسمتها الحكومات والنواب لكثير من المسائل، فهل هذا التحليل دقيق وحقيقي؟

[email protected]